عن استاذ ثانوية لعيون... باب ولد امبارك مرّ وهذا الأثر

جمعة, 29/03/2024 - 19:11

الأستاذ باب ولد محمد امبارك مرّ وهذا الأثر:

ولد الأستاذ باب ولد امبارك ولد باب ولد عبد الله الكوري في ضواحي قرية بئر اللبن سنة 1938 في بيت عزّ وشرف وصلاح تليد.
تربى الأستاذ باب - كغيره من أبناء زوايا منطقة آمشتيل - في جوٍّ معرفي تغذيه الجغرافيا ويعززه البعد الاجتماعي، فبدأ تعليمه على والده الذي كان فقيه القرية وأكثر من بها معرفة بالسيرة النبوية وأيام العرب وتاريخهم، ثم درس على ابن عمه الولي الصالح الزاهد العابد الشيخ القطب ولد الشيخ المعلوم برْهة من الزمن.
وقبل أن يكمل العشرين عزم الأستاذ باب على السفر طلبا للعلم، تدفعه همة عالية، لذا كانت رحلته عبارة عن قصة مشوقة مليئة بالتضحية وحبّ العلم والتعلم والقناعة ورباطة الجأش وصلابة العزيمة وقوة الإيمان.
قرر الأستاذ باب ذات مساء من سنة 1957 بدء رحلته، بعد أن أدى خدمة كلفه بها شيخه القطب ولد الشيخ المعلوم، فالتحق بمجموعة من ممتهني بيع المواشي بين المدن والأرياف، حتى وصل إلى مدينة أطار، عاصمة ولاية آدرار حاليا، وفيها قضى هنيْهة من الدهر درس خلالها في محظرة الأشراف "آل الشيخ امم".
ومن أطار اتجه إلى بلاد المليون شهيد، /الجزائر/ومرّ بأرض الكنانة/ مصر/ التي ظل يعبر عن إعجابه بسكانها حتى آخر أيامه.
درس في جمهورية مصر العربية اللغة الإنجليزية، وربما يكون أخذ السند الذي عنده في قراءة حفص منها.
كانت فترة مروره بمصر إبّان أوج النهضة المعرفية فيها، وبها نسج علاقات مع بعض المثقفين والنخبة أمثال الكاتب السيد محمد حسين هيكل أيام كان محررا لجريدة الأهرام المصرية.
غادر الأستاذ باب مصر واستقر به المقام في ليبيا التي حصل فيها على شهادة الليسانص، ومارس فيها التدريس زمنا طويلا.
وبعد عشرين سنة من الغربة في طلب العلم أدى خلالها فريضة الحج، عاد الأستاذ إلى وطنه والتحق بأساتذة التعليم الثانوي، فعمل أستاذا في أطار وانواذيبو ولعيون..، وكان مهنيا إلى أبعد الحدود محافظا على أوقات الدوام، يغادر القرية قبل الافتتاح بيومين ويستقر في مكان عمله طيلة فترة السنة الدراسية.
لايتغيب عن التدريس حتى في أيام الإضراب، حدثني أحد الثقاة أنه كان في أيام الإضراب يفتح نافذة المدرسة ومنها يُدخل الطلبة، فيقدم حصته ويعلق في نهاية الحصة ب"ذا اشبه فيكم من الاضرابات".
أما عن جانب الأستاذ باب الاجتماعي فحدث ولاحرج، لقد أسّسّ نهضة معرفية في قريته خصوصا في صفوف الشباب والنساء، كان خدوما بشوشا متواضعا ربانيا زاهدا منفقا.
لازالت تجليات بذله وبثه للعلم والمعرفة في مجتمعه تترى بعد مضي سبع سنوات على رحيله، ماثلة أمام الأعين متجسدة في معرفة نصف المجتمع لأحكام الطهارة والصلاة، والإتقان لمبادئ اللغة العربية نحوا وصرفا...
رحل الأستاذ باب، سنة 2014 عن عمر ناهز الثمانين، ولم يعقب، لكن عمله في صمت وبإخلاص وإتقان وتواضع كفيل بنقش اسمه في الذاكرة المجتمعية..،وسيكون أثره عصيا على النسيان، فهو من رجال خلقوا ليقال من بعدهم "مرّ وهذا الأثر".
تغمده الله بواسع رحمته وأمّت قبره ديمة الرحمات وسقته شآبيب الرحمة.

الكاتب، أحمد /عبدالله /باب