سأحاول في سلسلة من المقالات أن أتقدم بمجموعة من المقترحات لعدد من الوزراء في الحكومة الحالية، وستكون البداية مع معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وبما أن الشباب هو عنوان المأمورية الحالية، فلتكن البداية بمقترحات خاصة بالشباب.
أولا / الشباب وقطاع الشؤون الإسلامية
لقد حاولتُ في السنتين الأخيرتين أن أتتبع سير المتفوقين في الامتحانات والمسابقات الوطنية (مسابقة دخول سنة أولى إعدادية ـ شهادة ختم الدروس الإعدادية ـ الباكالوريا بمختلف شعبها)، ومما لفت انتباهي أن العديد من متصدري المسابقات والامتحانات الوطنية كان لهم نصيبٌ من القرآن العظيم، بعضهم كان يحفظ القرآن كاملا.
لم يكن الأمر خاصا ببلدنا، ففي بعض الدول العربية الشقيقة كان الأوائل في الشعب العلمية في باكالوريا 2023 (تونس، الجزائر ، مصر ..إلخ) ممن أنعم الله عليهم بحفظ القرآن، ويمكن القول إجمالا، ومن خلال تكرر مثل هذه الحالات، أي التفوق الدراسي وحفظ القرآن، أن ثمة علاقة قوية بين تعلم القرآن وحصد نتائج جيدة في الدراسة.
لقد حاولتُ ـ وبمجهود شخصي محدود التأثير ـ أن أبرز العلاقة بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، وأن أعرف من خلال النشر المكثف في مواقع التواصل الاجتماعي ببعض التلاميذ الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، فتقديم تلك النماذج للتلاميذ قد يشجع الكثير منهم على تعلم القرآن بموازاة مع التحصيل الدراسي.
لم يتوقف الأمر عند الحديث عن التلاميذ المتميزين دراسيا، الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، بل حاولنا كذلك أن ننظم استقبالات شعبية لبعض القراء الشباب الذين تمكنوا من الحصول على مراتب متقدمة في مسابقات إقليمية أو دولية في حفظ القرآن. لقد جرت العادة أن يُحتفى إعلاميا ـ وربما شعبيا ـ ببعض الشباب الذين تمكنوا من تحقيق نتائج مميزة في منافسات رياضية أو ثقافية، وهذا أمرٌ مهم ويجب أن يتواصل، ولكن هذا الاحتفاء يجب أن يوسع ليشمل القراء الشباب الذين رفعوا علم موريتانيا في مسابقات دولية في حفظ القرآن وتجويده، فهؤلاء هم الأولى بالاحتفاء، مع التأكيد على أن كل شاب تمكن من رفع علم البلاد في أي منافسة إقليمية أو دولية في أي مجال من المجالات الثقافية والرياضية يستحق أن يحتفى به إعلاميا وشعبيا ورسميا، وأن يقدم للشباب بصفته قدوة.
تلكم كانت مقدمة تمهيدية للمقترحات الخاصة بالشباب، وهي مقترحات تهدف إلى المساعدة في تحصين شبابنا ضد ما يتعرض له من حملات قوية لنشر ثقافة وقيم تخالف قيمنا، كما أنها قد تساعد كذلك في تحصينه ضد الانحلال الخلقي وتعاطي المخدرات وتفشي الجريمة، وهي ظواهر أصبحت ـ وللأسف الشديد ـ منتشرة في صفوف شبابنا ..
1 ـ على وزارة الشؤون الإسلامية أن تخصص جوائز سنوية للتلاميذ الذين تمكنوا من الجمع بين حفظ القرآن و حصد مراتب أولى في الامتحانات والمسابقات الوطنية؛
2 ـ على الوزارة أن تعمل على تقديم هذه النماذج للشباب من خلال الإعلام العمومي، هذا فضلا عن إطلاق حملات إعلامية للتعريف بها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي؛
3 ـ على الوزارة أن تعمل على تقديم آباء التلاميذ المتميزين الذين جمعوا بين حفظ القرآن والتفوق الدراسي، أن تعمل على تقديمهم إعلاميا ليكونوا نماذج للآباء والأمهات، ويمكن أن يتم ذلك من خلال قناة الأسرة وقناة المحظرة وبقية مؤسسات الإعلامي العمومي، وذلك من خلال إطلاق برامج تلفزيونية يتم من خلالها إجراء مقابلات مع آباء وأمهات المتفوقين دراسيا، والتعريف بالأدوار التي قاموا بها في مجال تربية أبنائهم. من القواسم المشتركة التي رصدتها من خلال تتبع سير التلاميذ الذين جمعوا بين التفوق الدراسي وحفظ القرآن هو وجود أسرة خلف المتفوق ربت فأحسنت التربية.
ثانيا / محاربة الفساد وقطاع الشؤون الإسلامية
يُعدُّ شعار محاربة الفساد من الشعارات البارزة في برنامج رئيس الجمهورية، ومما يؤسف له أن قطاع الشؤون الإسلامية يصنف اليوم لدى المهتمين بالشأن العام بأنه من القطاعات الحكومية الأكثر فسادا، وهذا مما يستدعي بذل جهد كبير لتغيير هذه الصورة السلبية عن القطاع، والتي ترسخت في أذهان الكثيرين. كما يستدعي أيضا العمل على أن يستعيد العلماء والأئمة والدعاة دورهم في محاربة الفساد، وذلك من خلال تخصيص خطب جمعة لمحاربة الفساد، وتنظيم ندوات ومحاضرات وحملات دعوية ووعظية تبين خطورة الفساد في الإسلام، وحبذا أن يكون شعار تلك الحملات الحديث النبوي الشريف الذي يلعن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.
ثالثا / قطاع الشؤون الإسلامية والاقتصاد المعرفي والرقمي
لقد عُرفت بلادنا في الماضي (بلاد شنقيط) باللغة العربية والعلوم الشرعية، وكسبت بذلك سمعة حسنة في العالمين العربي والإسلامي، وهي لا تزال تُحظى بتلك السمعة الحسنة، فلماذا لا نستثمر في هذه السمعة الحسنة ونحولها إلى مورد اقتصادي من خلال استغلال الميزة التنافسية التي نمتلكها في هذا المجال، وبذلك نكون قد خدمنا العلوم الشرعية واللغة العربية من جهة، وحققنا مكاسب مالية لبلادنا من جهة أخرى، أي أننا جمعنا بين خيري الدنيا والآخرة من خلال الاستثمار في المحظرة.
وحتى لا يبقى هذا الكلام مجرد كلام نظري، فإليكم هذه الأفكار والمقترحات..
1 ـ العمل على تأسيس جامعة أو أكاديمية أو معهد دولي يحمل اسم المحظرة الموريتانية يتخصص في تدريس العلوم الشرعية عن بُعد، ويستخدم التقنيات الحديثة لذلك، ويُفتح التسجيل فيه أمام آلاف بل عشرات الآلاف إن لم أقل مئات الآلاف من المسلمين في العالم، الذين يرغبون في تعلم الإسلام عن طريق مراكز وجامعات مؤتمنة.
هناك عدد كبير من الذين يدخلون الإسلام، قد يقودهم البحث عن تعلم الإسلام إلى الوقوع في حبائل منظمات إرهابية أو جماعات بلباس صوفي حرفت الدين وأدخلت فيه طقوسا تعبدية لا صلة له بها.
من المؤكد أن تأسيس جامعة أو معهد موريتاني يُعَلم وينشر دين الإسلام بشكل مباشر أو عن بعد، سيستقطب الكثير من طلاب العلم، خاصة من المسلمين الذين يوجدون في دول غير مسلمة، ويجدون صعوبة كبيرة في تعلم العلوم الشرعية واللغة العربية.
لقد نشر أجدادنا العلوم الشرعية واللغة العربية خارج موريتانيا بوسائل تقليدية كانت صالحة في تلك الفترة، فلماذا لا نواصل نحن اليوم ذلك الجهد مستفيدين مما تتيحه التقنيات الحديثة في هذا المجال، ومستفيدين كذلك من السمعة الحسنة التي تركها لنا آباؤنا وأجدادنا في هذا المجال؟
2 ـ يمكن لبلادنا أن تؤسس مركزا دوليا للتدقيق اللغوي عن بعد تكتتب فيه عددا كبيرا من أساتذة اللغة العربية وخبرائها في بلادنا، وهم موجودون بأعداد كبيرة ولله الحمد، على أن يتولى هذا المركز التدقيق اللغوي لصالح دور النشر والمؤسسات الإعلامية، ولكل ما يكتب وينشر باللغة العربية، وخدمة التدقيق اللغوي أصبحت خدمة مطلوبة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية. هذا المقترح الثاني يمكن أن ينفذ من خلال التعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة.
3 ـ في يوم 29 أكتوبر 2022 وجهنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية نداء إلى القادة العرب خلال قمة الجزائر، طالبناهم فيه بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية تنتسب لها بالإضافة إلى الدول العربية كل الدول الإسلامية التي تستخدم فيها اللغة العربية بصفتها لغة ثانية أو ثالثة.
إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية وبالتنسيق مع الهيئات الوطنية الفاعلة في المجال على استعداد لتنظيم مؤتمر دولي تشارك فيه المنظمات والهيئات الفاعلة في المجال في مختلف الدول العربية والإسلامية، على أن يصدر هذا المؤتمر توصية تُطالب بتأسيس منظمة دولية تعنى باللغة العربية، تنتسب لها كل الدول الإسلامية التي تستخدم اللغة العربية كلغة أولى أو ثانية أو حتى ثالثة.
إن إطلاق دعوة من هذا القبيل من موريتانيا من طرف المجتمع المدني في العالم الإسلامي، وفي هذه الفترة التي تترأس فيها بلادنا الاتحاد الإفريقي ، سيكون مفيدا لبلدنا، وذلك نظرا لموقعه الجغرافي، و نظرا لتمكن أبنائه من اللغة العربية، وكل ذلك سيجعل من اختيار موريتانيا مقرا لهذه المنظمة أمرا واردا، خاصة وأن بلادنا تحتفظ في هذا العهد بعلاقات طيبة مع كل البلدان العربية والإسلامية.
هذا المقترح الأخير يمكن أن ينفذ بدعم من وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي ووزارة الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والموريتانيين في الخارج.
سيتواصل إن شاء الله تقديم مقترحات أخرى لوزراء آخرين..
حفظ الله موريتانيا..
بقلم : محمد الأمين ولد الفاضل