لا يستطيع مكابر أن ينكر أن صراع "گوگي موريتانيا " و"گوكي مالي " هو صراع "جيو ستيراتيجي " ويجب أن يسند الحل فيه إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين ولا يترك للاتفاقيات المحلية التي أثبتت الأيام عجزها.
لكن أية تسوية لا يشرك فيها سكان الأرض سيكون مآلها -لا قدر الله- إلى الفشل لأن العلاقات بين الشعبين المتجاورين علاقات قديمة ويتخللها الكثير من التوتر ، وإلتزام الطرفين المتناحرين أمام سلطات البلدين قد يؤسس لبداية مرحلة من السلم القائم على الاحترام المتبادل بين السكان المحليين للأرض، وغير ذلك قد يكون تضييعا للوقت وسيؤول إلى الفشل كسابقيه من الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين على المستوى التقيلدي والتي تم نسفها من طرف الإخوة في مالي.
وفي خضم هذه الأحداث المتوترة ذات البعد الإجتماعي التقليدي تدور أسئلة في ذهن المتابع لهذه القضية
عن الدور المحوري والاستراتيجي لهذه المنطقة والذي يدفع الطرفين للتشبث بها، وعن أهم الاتفاقيات التي حقنت الدماء بين الإخوة هناك.
گوگي الموريتاني : هو منطفة نائية بالشرق الموريتاني ومنسية من كل البنى التحتية والمشاريع التنموية. فهي إذن سندان الدولة الموريتانية التي تقابلها بالنسيان ومطرقة الاعتداءات المالية المتكررة ومحاولة ابتلاعها.
وهذه الحوزة الترابية ذات بعد استيراتيجي هام في المنطقة وتحتوي على المعبر الحدودي الذي يقع على الطريق الوحيد الرابط بين موريتانيا ومالي على بعد 1كلم من گوگي المالي ويفرض هذا أن تكون ذات عائدات اقتصادية هامة على الميزانية الموريتانية نظرا لنشاط الحركة التجارية مع الجارة مالي والتي تربط البلد بدول غرب إفريقيا إضافة إلى ما تشتركه مع باقي النقاط الحدودية لما تحتويه من الأراضي الزراعية والرعيوية والكثافة السكانية...
وتتبع هذه الحوزة الترابية لمقاطعة كوبني وعلى بعد ثمانية عشر كلم منها وتبعد مائة وثمانية وعشرون كلم من عاصمة الولاية (لعيون) هذا بالإضافة إلى دورها المحوري ومساهمتها في استتباب الأمن الوطني.
كما تلعب هذه المنطقة دورا ثقافيا تاريخيا ففيها عزف الكثير من الأشوار ونسج فيها الكثير من اتهيدين وأفتى فيها كثير من العلماء فتاوى لاتزال خالدة متداولة عند أصحاب التخصص وترتبط هذه المنطقة في الذاكرة الشعبوية بكرم سلاطينها وعدلهم وشجاعة فرسانها وتبحر علمائها ورسوخ أقدامهم في مجال المعرفة، ومهارة اكتشافات فنانيها الذين كان لهم الفضل في وضع القوانين المسيقية لساكنة هذا المنكب(أرض البيظان).
وكانت تخضع لسلطة سكانها الحاليين قبل ميلاد الدولة الحديثة بقرون ، إذ كانت تمتد لأعماق جمهورية مالي الحالية وقد رسم المستعمر بعضها في ترسيم 1945م والذي سرعان ما تخلت الدولة عن جزء مهم منه بعد الاستقلال لمآرب في نفوس المسؤوليين حينئذ لتكون بذلك أول محطات هذا الصراع .
هذا ما يجعلنا نحسبه تقصيرا منهم في جزء مهم من الحوزة الترابية.
وبحكم ولادة الدولة الوطنية وترسيم الحدود أصبح من مهام رئيس الجمهورية التي يؤدي عليها القسم عند تسلمه للسطلة عدم التخلي عن شبر من الحوزة الترابية لهذا البلد بوصفه الحامي الأول للسيادة الوطنية و باحترام أولئك السكان لهذه التشريعات وإيمانهم بالدولة الوطنية تخلوا عن حراسة أرضهم لكني لا أرى أنهم سيقبلون الاعتداء على عرضهم مهما كلف الثمن.
وتشهد هذه المنطقة منذو عقود توترا حدوديا نذكر منه على سبيل المثال إغارة الماليين على قرية "الگطع" 1985 والتي قتلوا فيها السالك ولد محمود رحمات الله عليه بدم بارد حين كان الرجل الوحيد في الحي فتدخلت الزعامات التقليدية لتنهي هذا الصراع وتحقن الدماء لكنه باتفاق أقرب هو إلى مهدئ أعصاب من ميثاق سلم بين أمتين تكاد نار الحرب تشتعل بينهما كل يوم ثم وقعت بعد ذلك بعامين (1987) والتي قتل فيها حاكم كوكي المالي داخل الأراضي الموريتانية متصدرا صحبة جيشه ومواطنيه غارة عدائية تصدوا لها الساكنة بصدور عارية وقاوموا بشراسة ودفعوا الصائل وكانت خاتمة الحاكم على يد "لحسين بن الكور" فتدخلت نفس الزعامات وصانت الدماء مرة أخرى باتفاق شبيه بما سبقه ثم تلى ذلك معركة "إبيزيت لعتاريس" صيف 1992 التي خسرها الماليون خسارة شنيعة ٠٠٠ ثم مناوشات ابريل الماضي ولم تخمد نارها حتى اشتعلت نار هذه ويمكن القول أن كل سبب هذه الفتن هو توغل الماليين داخل الأراضي الموريتانية محاولين بذلك الاعتداء على الأرض والسكان والممتلكات والتاريخ والجغرافيا.... مدعومين من سلطاتهم في الغالب. أما ما يحدث من اعتداء على المواطنين الموريتانين العزل في الأراضي المالية فحدث عنه ولا حرج
اللهم إنك تعلم أني لست بالساعي إلى إشعال نار الفتنة لكني أدرك جيدا ضرورة حفظ الدولة لأمنهم وستقرارهم فإن عجزت فإني أعلم أن دفاعهم عن أنفسهم من باب "دفع صائل" وحفظهم لكلياتهم الخمس التي تأمر كل التشريعات السماوية بصونها وحينئذ تكون قد فرضت عليهم حرب وهم رجالها:
قوم إذا الشر بدى نا جذيه لهم... قاموا إليه زرافات و وحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم... للنائبات عن ما قال برهانا
لكنه وقبل اشتعال نار أي فتنة يحسبون لها ألف حساب مستحضرين الروابط الدينية والاجتماعية ٠٠٠ وحق الأخوة والجيرة ٠٠٠ ويفضلون مد يد السلم على قعقعة المدافع وإراقة الدماء ويتمثل قائلهم حينئذ بقول الشاعر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا.
وأنوه أن ذيل فتيل هذا الصراع قد طال وإن استمر على ما هو عليه فقد يترتب عليه ما هو أشد وحينئذ ستكون حرب مرة الرضاع والفطام ولن يتمخض عنها ما يخدم أحد الطرفين وماةيقوم به بعض المتثاقفين الذين يقودون دعوة لترحيل مواطنينا وتسليم أرضنا وعرضنا والدوس على كرامة أهلنا في گوگي أمر مشان ومستقبح.
وإذا الجبان نهاك يوم كريهة ... خوفا عليك من ازدحام الجحفل
فاعص مقالته ولا تحفل بها ...
موت الفتى في عزة خير له...من أن يبيت أسير طرف أكحل
فالسلم مطلوب وحفظ حق الجار واجب لكن الدوافع والأسباب والضرورلت تفرض رأيا مغايرا للأسف!
وما ينبغي أن يتبناه المثقفون بل كل المواطنين الموريتانيين هو الدعوة إلى تسوية أبدية لا يذوق فيها المواطنون هنا ولا عناك طعم الذل والهوان ٠٠٠ وإلا فإن الساكنة لن يرضوا باتفاق يشتمون فيه رائحة التنازل عن أي حق بعد أن شهروا السلاح٠
فمن هنا أسيغ مطلبا موحدا لكافة سكان تلك المنطقة النائية إلى السلطات الموريتانية والتي تثق فيها ثقة مطلقة لطرح حل جذري لهذه المشكلة التي تؤرق كل مواطن موريتاني له غيرة على حوزة بلاده الترابية ويكون ذلك الاتفاق مبرم بين سلطتي البلدين وموقع من طرف هرمين عاليين ولا يسند مصير الآلاف من مواطني البلدين إلى أشخاص قد لا يكون لهم بعد عميق لإدراك تلك المسألة، كما يطالبون النيابة العامة بمساءلة كل من يطالب بترحيلهم لما يروا في ذلك من تنازل عن السيادة الوطنية والتطاول على نص الدستور الوطني بمطالبتهم التنازل عن جزء من الحوزة الترابية.
سيداتي عبد الرحمن
نواكشوط موريتانيا