عن سؤال الأهلة / الحسن مولاي علي

أحد, 24/05/2020 - 06:36

شغل موضوع الاهلة الناس، قديما، بما تثيره من أسئلة ورغب ورهب وظنون؛ وخاصة في البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، بين قوم اميين، لا يكتبون ولا يحسبون، فكان من الطبع جدا، ان تكون معارفهم الفلكية شحيحة، مفتراة، تغلفها الأساطير الوثنية لقوم يصنعون بأيديهم هياكل الطين والتراب، ثم ينصبونها آلهة معبودة.

في أولئك الأميين بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو منهم، لكن الأمية فيه معجزة باهرة، كما قال تعالى:{وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذا لارتاب المبطلون}، أما في الآخرين فهي تخلف وعيب وضلال، جاءت الرسالة الربانية لترفعه، وتعد ضحاياه لادوارها ورسالتها القيادية.

كان من الطبيعي ان تزدحم أسئلة الاميين، يومئذ، عن مختلف الظواهر، في الكون والناس والحياة، وكانت آيات القرآن الكريم تلقن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإجابة عنها، وكان بينها سؤال الاهلة؛ ومع أنه كان سؤالا فلكيا محضا، فإن القرآن ضرب صفحا عن قصد السائلين، وركز على الوظيفة الدينية والاجتماعية والاقتصادية للأهلة:{ مواقيت للناس والحج}.

هي إذن مواقيت وحسابات، لضبط الفرائض والشعائر، حجا وصوما وزكاة، وضبط النظام الاجتماعي، حملا وعدة ورضاعة، وضبط التبادلات الاقتصادية، بيعا ودينا ورهنا وإجارة: {مواقيت للناس} وكان فيما اشارت إليه الآيات من المواقيت والآجال والحسابات المرتبطة بالدين وبالواقع، ما يصرف الامي السائل عن سؤال الفلك.

مع تلك الوظائف التي تقوم حياة الأميين على بعض حساباتها، حجا، وحربا، وسلما، انحصر علمهم بالقمر، فيما تراه العين المجردة، من كونه يطل هلالا صغيرا، بعد محاق، ويمر باطوار وأحجام، صعودا وهبوطا، في طريق محاق جديد، استعدادا لإطلالة أخرى؛ اللهم إلا ما استهوى شعراءهم من استدارته واستنارته، فخلعوا الصفتين على وجه المحبوبة المتغزل بها.

كان أولئك الأميون في ضلال مبين، فبعث الله فيهم رسولا منهم، تلا عليهم آيات الله، وتعهدهم بالتزكية وتعليم الكتاب والحكمة، فاستنقذهم من ضلالاتهم، وأخذهم في نقلة فارقة، فتحت قلوبا غلفا، واعينا عميا، وآذانا صما، وباتت الامية من حديث التاريخ، في جيل رباه الرسول بتسديد الوحي، فكان حجر الأساس الذي قامت عليه خير أمة أخرجت للناس.

إنها الأمة التي استثمرت هدي الرسالة، كتابا وسنة، وما فتح الله للناس من بصائر وآفاق، استثمرته في مزيد من المعرفة، خدمة للإنسان والحقيقة؛ ورغم المعوقات الذاتية والموضوعية، من الداخل والخارج، أقامت حضارة إسلامية ناضجة، اتسعت لأقوام وأعراق وألوان وملل وثقافات ومعارف وديانات، فاعيد، من جديد، طرح كل الأسئلة الديية، مضافا اليها السؤال الكبير عن كسب العقل والمعرفة والتجربة، في الفلسفة والطب والرياضيات والسياسة، وفي علوم الكون، ومنها الفلك.

لقد جرت مياه غزيرة تحت مختلف جسور المعرفة الإنسانية التي أعادت صياغتها الحضارة الإسلامية، فنهل من معينها العالم، ولم تتوقف دوائر المعرفة عند مالوف الناس على الارض، بل نظرت من خلال المراصد والاسطرلابات وادوات القياس المختلفة التي ابتكرتها، إلى الارض في كرويتها وحركتها الدائبة، وامعنت النظر فيما ترى من الكواكب والنجوم، وتعرفت على حقائق، وافترضت نظريات، هي التي قادت من استلموا الزمام منها إلى الكشوف العلمية التي تصنع اليوم مفردات حاضر الإنسانية.

اليوم يعرف الانسان، مسلما كان أو وكافرا، الكثير عن المجموعة الشمسية ومجرات الكون اللامتناهي، أما القمر فقد غزاه الانسان وهبط عليه، فبات ضاحية تتبع الارض، وقد تبين أن النور الذي يشع منه، هو مجرد انعكاس لسطوع أشعة الشمس على سطحه الداكن، وأن محاقه وهلاله وبدره، هي منازل يصنعها مد ظل الارض؛ وفوق ذلك باتت حسابات الفلك وحركة الاجرام معروفة اليوم بنسبة لا مكان فيها للخطأ، وبات الفلكي المرجع الوحيد لكل العقلاء في إمكانية رؤية أي جرم في الفضاء، من عدمها.

لقد حق القول على امتنا وحضارتها، فعادت ادراجها إلى المستنقع الامي الذي انتشلتها منه رسالة الإسلام، وذلك حين غلبها على مقود الحضارة الإنسانية، قوم آخرون استبدلتهم سنة الله، وهي لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي احدا، فدفعوا بها إلى مؤخرة الركب؛ وهكذا وفيما تقوم حسابات العالمين من حولها، اليوم، في كل شؤونهم، على اليقين العلمي؛ باتت كل عبادات الأمة وشعائر دينها الحنيف، وكل حساباتها، تعتمد الوسائل والادوات ذاتها التي كانت متاحة لاهل الامية الاولى.