الرئيس الصحراوي: جماهير شعبنا كسرت هجمة مخابراتية وإعلامية ونفسية حشد فيها العدو إمكانياته

جمعة, 27/12/2019 - 08:41

أوضح الرئيس الصحراوي-الأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، أن جماهير الشعب الصحراوي “كسرت هجمة غير مسبوقة، مخابراتية وإعلامية ونفسية حشد فيها العدو الإمكانيات البشرية والمادية، واستهدف جبهتنا الداخلية، ليس فقط بمحاولة زرع الشقاق والفتنة ومحاولة ضرب الأمن والطمأنينة، بل والسعي لاستغلال كل الفرص، بأخبث الأساليب، بما في ذلك الصيد في المياه العكرة، والبحث عن أية هفوة والسعي لجعلها جرحاً مفتوحاً، ينكؤه صباح مساء”.

جاء ذلك في كلمة له خلال اختتام أشغال المؤتمر15 للجبهة، هذا نصها الكامل:

كلمة رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، في ختام أشغال المؤتمر الخامس عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب

التفاريتي المحررة، 24 ديسمبر 2019

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوات والإخوة،

الحضور الكريم،

ها نحن نختتم أشغال المؤتمر الخامس عشر للجبهة، مؤتمر الشهيد البخاري احمد باريكلا، في بلدة التفاريتي المحررة، في ضيافة الناحية العسكرية الثانية وأحضان جيش التحرير الشعبي الصحراوي. إن اقتران هذا الحدث الأسمى في هيكلة الجبهة مع هذه الربوع المحررة، المخضبة بدماء شهدائنا البررة، لهو رسالة ثقة واعتزاز من الشعب الصحراوي، مركبة من الوفاء لعهد الشهداء والتحدي للخصوم والأعداء والاطمئنان للأصدقاء والحلفاء. أهنئكم جميعاً ونهنئ جماهير شعبنا على هذا النجاح الذي يمثل تأكيداً لممارسة سيادة الدولة الصحراوية على أراضيها المحررة اليوم، وتجديداً لعقد العزم على استكمالها غداً.

لم يسبق لتجمع بشري صحراوي من نخبة مناضلات ومناضلي الجبهة الشعبية، القادمين من كل حدب وصوب، أن اجتمع في مكان واحد وطوال هذه المدة الزمنية. ليس هذا فقط، بل إن مثل هذا الأمر لم يسبق أن وقع فوق ربوع التراب الوطني المحرر، بهذا التنظيم والإشراف المحكم من قبل هيئات ومؤسسات وإطارات صحراوية، هي مصدر فخر واعتزاز لكل الصحراويات والصحراويين، لأنها نتاج تطور وتراكم تجربتهم الوطنية، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. ونسجل هنا نجاح كل مراحل العملية التحضيرية، من عمل للجنة الوطنية والندوات السياسية المحلية والجهوية، وصولاً إلى عقد الندوة الوطنية كمحطة متقدمة من المؤتمر الذي جاء تتويجاً ناجحاً لمسار تشاركي شامل لكل نقاط الجسم الوطني الصحراوي. وإننا لنحيي بحرارة المناضلين، وخاصة المناضلات اللواتي عملن على توفير ظروف الإقامة المريحة بكل ما تطلبه ذلك من جدبة وتعب وسهر.

إنه نجاح من صنع جيش التحرير الشعبي الصحراوي الذي برز كعادته قوة منظمة وجاهزة، منتشرة وساهرة على الأمن وضامنة للطمأنينة ورافعة للمعنويات وباعثة للفخر والاعتزاز.

إنه نجاح صنعته جماهير الأرض المحتلة، بحضورها المميز في تحضيرات وأشغال المؤتمر، باندفاعها وغيرتها وحرصها على نقل رسائل القوة والصمود والاستمرارية، داخل المؤتمر وفي مواقع الفعل والنضال.

وما كان لهذا النجاح المركب إلا أن ينعكس في أشغال ونتائج هذا المؤتمر. ذلكم هو ما تجلى في المستوى الراقي من النقاش العميق الذي ينم عن روح المسؤولية والشعور بالواجب الوطني لدى المؤتمرات والمؤتمرين، وما أظهروه من التزام وتشبث بمبادئ الجبهة وإرادة صادقة في التركيز على الأهم في النقاش، وعلى حسن الاختيار في الانتقاء.

وها نحن نخرج بجملة من المخرجات المهمة التي تعكس الإرادة الصادقة والإصرار البين لدى المؤتمرات والمؤتمرين ولدى جماهير شعبنا عامة للمضي في انطلاقة جديدة، على درب الوفاء لعهد الشهداء والتعجيل بحسم الصراع واستكمال التحرير.

وانطلاقاً من كل ذلك، وجب أن نضع نصب أعيننا تلك الأولويات والمهام التي يحددها برنامج العمل الوطني الصادر عن المؤتمر، لتكون محور الفعل الوطني خلال الفترة الفاصلة عن المؤتمر السادس عشر. ويفصل هذا البرنامج في محاور كبرى، من قبيل التنظيم السياسي والدفاع والأمن وانتفاضة الاستقلال والجاليات والميادين الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والإعلام والثقافة والخارجية والتشريفات.

وبشكل عام، لا بد من البحث عن صيغ تسييرية أكثر مرونة ومردودية، والعمل على إيجاد هيكلة عملية، منسجمة وملائمة لخصوصية واقعنا الوطني، مع بناء إدارة وطنية فاعلة، والتركيز على مبدأ الاقتصاد في الوسائل وترشيدها. كل ذلك بالتزامن مع توجيه الاهتمام إلى الأطر وجعلها في مستوى التعاطي مع التغيرات التي يشهدها المجتمع، ومع التطورات التي تشهدها القضية بشكل عام.

وإن ما شهده المؤتمر من إقرار للتجديد ورفع مشاركة المرأة على مستوى الهيئة القيادية لهو تحول مطلوب، منسجم مع متطلبات الحرب الطويلة الأمد، وينبغي إيجاد الصيغ لتفعيله في محطات ومستويات أخرى، انتخاباً وتعييناً، بإشراك مدروس للشباب.

ولا شك أن المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالتحديات وستتطلب حشد الجهود الوطنية ورص الصفوف من أجل إيجاد ظروف وشروط إنجاح التوجه الوطني المطلوب، بخلق تحول إيجابي ونوعي في مسيرتنا التحريرية، على كل الواجهات والصعد.

وبطبيعة الحال، فإن جيش التحرير الشعبي الصحراوي يبقى، واليوم أكثر من أي وقت مضى، أولوية الأولويات. وإضافة إلى تحقيق كامل الجاهزية والاستعداد القتالي والتأهب لكل الاحتمالات، لا بد من ضمان التواصل وانخراط الشباب والكفاءات.

وفي السياق ذاته، ستشكل المقاومة السلمية، المجسدة في انتفاضة الاستقلال، جبهة متقدمة ومحتدمةومتأججة، لا تتوقف عن إبداع أرقى أساليب النضال وتحدي القمع والحصار، بحضور ومرافقة ودعم دائم من لدن كل جماهير شعبنا، وبشكل خاص في الجاليات، التي يجب أن تضطلع بدور فعال، منسجم مع تاريخها ومكانتها، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، في معركتنا المصيرية.

وستبقى المعركة القانونية والقضائية واجهة نضالية أخرى، من أجل الدفاع عن سيادة الشعب الصحراوي على ثرواته الوطنية ووقف الانتهاكات المغربية الجسيمة لحقوق الإنسان، وفرض تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وإنها لمناسبة للتنديد بالدور الفرنسي والإسباني بشكل خاص في مساعي القفز على قرارات محكمة العدل الأوروبية التي أكدت بوضوح صارخ أن الصحراء الغربية والمملكة المغربية بلدان منفصلان ومتمايزان، ولا يمكن استغلال الثروات الصحراوية إلا بموافقة واستشارة الشعب الصحراوي.

الأخوات والإخوة،

من مناحي نجاح المؤتمر أيضاً أن جماهير شعبنا كسرت هجمة غير مسبوقة، مخابراتية وإعلامية ونفسية، حشد فيها العدو الامكانيات البشرية والمادية، واستهدف جبهتنا الداخلية، ليس فقط بمحاولة زرع الشقاق والفتنة ومحاولة ضرب الأمن والطمأنينة، بل والسعى لاستغلال كل الفرص، بأخبث الأساليب، بما في ذلك الصيد في المياه العكرة، والبحث عن أية هفوة والسعي لجعلها جرحاً مفتوحاً، ينكؤه صباح مساء.

ومع كامل الأسف، كان ضمن هذه الحملة المغرضة والفاشلة بعض الأسماء والأصوات الصحراوية. غير أن المؤتمر، رغم قدرته وصلاحياته، وانطلاقاً من قيم وأخلاق شعبنا وديننا السمح وتنظيمنا الوطني، يتبنى العفو عند المقدرة، وخاصة في حق أولئك الذين لم يلتحقوا بالعدو. إنه مما لا شك فيه أن مسيرتنا قد شهدت صعوبات، في ظل قلة الإمكانيات ونقص الخبرة والتجربة، وشراسة وتنوع هجمة العدو وحيله ودسائسه. الأكيد أن النية كانت وستبقى صادقة، وهو ما أظهره التنظيم الوطني الثوري خلال المؤتمر الثامن للجبهة. إن كل من كان ضحية لأي خطأ أو ظلم غير مقصود، ممن بقوا معنا ولم يلتحقوا بالعدو، يستحقون منا المراجعة الممكنة لتلك القرارات، بما في ذلك جبر الضرر، في نطاق ما تسمح به الإمكانيات.

الأخوات والإخوة،

لقد كان المؤتمر واضحاً في التعبير عن الموقف الوطني تجاه الجهود الدولية لحل النزاع، الناجم عن الاحتلال والاجتياح العسكري المغربي اللا شرعي للصحراء الغربية منذ 31 أكتوبر 1975. لقد تم إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين الجيشين الصحراوي والمغربي، في إطار خطة التسوية الأممية الإريقية لسنة 1991، بهدف واضح ومحدد، هو تنظيم استفتاء يمكن الشعب الصحراوي من ممارسة حقه، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال. لا مجال للقفز على مقتضيات الشرعية الدولية، ومن غير المعقول ولا المقبول على الإطلاق أن تظل تلك الجهود معطلة بإرادة العرقلة المغربية الممنهجة، بدعم وحماية من الدولة الفرنسية. لقد كانت جبهة البوليساريو واضحة في تقييمها وموقفها، ووجدت نفسها مضطرة إلى اتخاد القرار بمراجعة التعاطي مع عملية السلام برمتها.

إن ما أبداه المؤتمر من دعم قوي لقرار الجبهة الشعبية بخصوص مراجعة تعاملها مع الأمم المتحدة لهو دليل واضح وصريح على التفاف والتحام كل الصحراويات والصحراويين، أينما تواجدوا، خلف رائدة كفاحهم الوطني، وعلى التمسك بما تتخذه من قرارات في هذا الإطار. ولا يفوتني هنا أن أشيد بالتوصية التي تبناها المؤتمر بخصوص تعزيز مؤسسات الدولة في الأراضي المحررة من الجمهورية الصحراوية.

الأخوات والإخوة،

يكثر الحديث هذه الأيام عن قرب تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام إلى الصحراء الغربية. وبهذه المناسبة، نود أن نؤكد من جديد على موقفنا بأن تعيين مبعوث أممي جديد لا ينبغي أن يكون غاية في حد ذاته. فالمشكل الجوهري الذي فرض علينا إعادة النظر في مشاركتنا في عملية السلام يتمثل في مجموعة من المنعطفات والمقاربات التي أدت في مجملها إلى الانحراف بعملية السلام عن مسارها الأصلي، وهو أمر لا يمكن للجبهة الشعبية ولا للشعب الصحراوي قبوله، تحت أي ظرف من الظروف. وفي الوقت الذي نعبر فيه عن إرادتنا الصادقة في التعاون مع الأمم المتحدة من أجل بلوغ حل عادل ودائم، فإننا نقولها بصوت عالٍ، ومن هذه المنطقة المحررة من ترابنا الوطني، أن الجبهة الشعبية لن تكون أبداً شريكاً، لا اليوم ولا غداً، في أي عملية لا يكون منطلقها ومرجعيتها الأساسية هي الاحترام الكامل لحق شعبنا في تقرير المصير والاستقلال وحقه في الوجود كشعب حر وسيد على كامل ترابه الوطني، والعيش بأمن وسلام واحترام متبادل مع كل جيرانه.

إننا نطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وفرض تطبيق ميثاق وقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة، لأجل استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا.

كما نجدد التأكيد على دور الاتحاد الإفريقي كشريك في خطة التسوية الأممية لسنة 1991، ونطالبه بفرض تطبيق قانونه التأسيسي، وخاصة احترام الحدود الموروثة غداة الاستقلال، والقيام بالخطوات الضرورية لدفع المملكة المغربية للانسحاب الفوري من الجزء الذي تحتله من بلادنا، والعمل على حل الخلافات بالطرق السلمية مع الجمهورية الصحراوية، كجارين وعضوين في المنظمة القارية.

 الأخوات والإخوة،

ونحن نختتم مؤتمرنا الخامس عشر، لا بد أن نوجه تحية خاصة، ملؤها التقدير والعرفان والامتنان، إلى كل أشقاء وأصدقاء وحلفاء الشعب الصحراوي، الذين حلوا ضيوفاً على شعبنا، معززين مكرمين، فأقاموا وغادروا بسلام وطمأنينة. لقد كان لهم دورهم البارز في إنجاح هذا الحدث الوطني الأبرز، ليس فقط بالمشاركة الواسعة، من كل قارات العالم، ولكن أيضاً وأساساً بتلك الروح التضامنية الجارفة التي جعلتهم يتحدون التحذيرات المغلوطة والدعايات المغرضة، بما فيها بيان وزارة الخارجية الإسباني حول تهديدات إرهابية مزعومة، بالتزامن مع زيارات العائلات والوفود الإسبانية إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين ومع انعقاد هذا المؤتمر.

تحية صادقة خالصة إلى الجزائر الشقيقة، إلى بلد المليون ونصف المليون من الشهداء البررة الكرام، التي حضرت معنا بوفد كبير من كافة المكونات السياسية والبرلمانية  والمدنية. وفي وقت نجدد تهنئة السيد عبد المجيد تبون بانتخابه رئيساً للبلاد، نتقدم بأحر التعازي إلى الجزائر، شعباً وحكومة وجيشاً، على إثر رحيل الفريق أحمد قايد صالح، أحد رجالات الجزائر الأوفياء الذين يجسدون مواقف الجزائر المبدئية الراسخة التي وقفت وتقف إلى جانب كفاح الشعب الصحراوي وكل الشعوب المكافحة من أجل الحرية وتقرير المصير، في انسجام كامل مع مبادئ ثورة الأول من نوفمبر المجيدة وميثاق وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

تحية إلى أعضاء الحركة التضامنية العالمية، من إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا وأوقيانوسيا. نحيي الحركة التضامنية في إسبانيا، داعين الدولة الإسبانية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الصحراوي، وتنفيذ التزامها الدولي بتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال.

وفي وقت نهنئ فيه الأخوات والإخوة الفائزين في انتخابات القيادة الوطنية، لا بد من التذكير بأن من فازوا ومن لم يفوزوا كلهم مناضلات ومناضلون في الجبهة، ومطالبون بتحمل مسؤولياتهم وآداء واجباتهم على قدم المساواة. ولا يكفي القول أن المسؤولية تكليف وليست تشريفاً، لأنها أكبر وأكثر من ذلك، إنها استعداد دائم للتضحية والعطاء والمثالية، في الفعل قبل القول. علينا جميعاً أن نكون جاهزين لمسؤوليات ومهام كبيرة وكثيرة ومستعدين لكل التطورات والاحتمالات.

هنيئاً للشعب الصحراوي بنجاح المؤتمر الخامس عشر، كمحطة جديدة ومتميزة، ترصع رصيدنا الكفاحي وتجربتنا النضالية بمزيد من الخبرة، وتحدد معالم الفعل الوطني وأولوياته خلال المرحلة القادمة. فلنجدد عهد المضي على درب الشهداء في مسيرتنا الكفاحية المظفرة. وفي كنف الوحدة والإجماع ورص الصفوف والانسجام، بالتفاف حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، فلا مجال إلا للنصر الحتمي الأكيد، باستكمال سيادة الجمهورية الصحراوية، دولة كل الصحراويات والصحراويين، على كامل ترابها الوطني.

 كفاح، صمود وتضحية لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية