ابراهيم ولد صالح يكتب / أوجه من حفظ الذكر الحكيم

أربعاء, 17/07/2024 - 18:08

أوجه من حفظ الذكر الحكيم:
لقد قال تعالى:
إنا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ..
من أوجه هذا الحفظ ذكرنا أمة الذكر أي العرب وسبق أن أتينا فى تدوينات سابقة على مسألة اصطفاء الأمم والشعوب، التى تُحضّر وتُهيأ لمسؤولية عظيمة، وهي حمل رسالات الله إلى الناس ، وذكرنا المصطفى الخليل ابراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، الذي اختار الله من صلبه إسحق ويعقوب ليكون الاصطفاء وحمل الرسالة فى ذريتهما(الرسل، الأنبياء، الكتب المنزلة، قبلة المسلمين)طيلة الفترة الممتدة من زمن إسحق إلى آخر أيام عيسى عليهم السلام، ويضيق المقام هنا عن الحديث عن ظرفية ومضمون تلك الرسالات وأؤلئك الرسل والمرسل إليهم، ذلك أنّ الإصطفاء المكتمل من حيث زمانه ومضمونه، والمستمر حتى نهاية الدنيا كان من حظ هذه الأمة العربية، تلك الأمة التى تنحدر من ذرية إسماعيل،فرع ابراهيم الآخر، وقد كانت بذرة بواد غير ذى زرع عند البيت الحرام، تتحضر و تتهذب وتتهيأ وتنتظر لحظة الانطلاق..
ولقد تدبّرنا وتأملنا فى حادثة الإسراء والمعراج وذكرنا أنها ، على ما فهمنا منها، مناسبة تبادل المهام بين جميع الرسل والرسالات من جهة ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول الإسلام من جهة أخري، يسلمون له مهامهم، مجسدا ذلك بالصلاة خلفه وهو إمامهم وفى مكان كان قبلة المسلمين من قبلُ(بيت المقدس)التى سينتهى توجههم إليها لتحلّ محلّها القبلة المرضية الخاتمة(الكعبة المشرفة)...
وبعد هذه المراسيم التى حضرها جبريل أمين الوحي عليه السلام، يُعرج برسول الدين الجديد ، حامل رسالة الإسلام، رسالة الله إلى الناس فيما بقيّ من الدنيا فى إطار قطع حجة الناس على الله بعد الرسل، قال تعالى:
رُّسُلࣰا مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا.
ويصعد الحبيب المصطفى حتى يكون قاب قوسين أو أدنى ، فيقول أمين الوحي له ، كما فى شعرنا الدارج:《أنا قدري وكْفتو وأنت قدرك من ذاك أركْب》...
واسمحوا لي الاستشهاد بهذا ولكنى أريد أن أشير إلى ثقافتنا الشعبية التى تشرّبت من المعانى الدينية.
وبعد المقابلة يعود الحبيب المصطفى بتفاصيل الدّين الخالد لينشره بين الناس، محجّة بيضاء، لا يحيد عنها إلّا هالك...
موضوع هذه التدوينة، وإن كادت هذه المقدمة أن تنسينيه، هو حفظ اللغة العربية، لغة القرآن ..
لقد هيأ الله سبحانه وتعالى الأسباب لتكون لهجة قريش هي اللغة الفصحى بعد أخذها من لهجات قيس وتميم وهُذيْل وأسد وغيرها من قبائل العرب فى نجد والحجاز، التى تتسم بفصاحة لهجاتها وعدم اختلاطها بلغات الأعاجم بحكم بُعْدها الجغرافي ، إذْ كانت تسكن على أطراف مكة، فيتم انتقاء ما هو جميل و فصيح من لهجاتها وإقصاء ما يُستقبح منها وتُستبعد الألفاظ الممجوجة والأحرف ذات النطق القبيح ..
لقد كانت قريش أيضا فى موقع ممتاز تلتقى فيه هذه القبائل فى المواسم الدينية(حج بيت الله الحرام) والثقافية والتجارية(سوق عكاظ) تحتك فيما بينها بلغاتها، فتأخذ من بعضها البعض ، ثمّ تتهذّب لهجة قريش وتسمو ، استعدادا لبلوغ الكمال والجمال بنزول كلام الله ، القرآن الكريم، بهذه اللهجة المحظوظة، وتلك حكمته سبحانه وتعالى ذلك أن دينا جديدا خالدا و رسولا خاتما سيبعث من هذه القبيلة المحظوظة، قريش، وستكون لغتها محفوظة بحكم حفظ الذكر الذى نزل بها...
وإلى وجه آخر من أوجه حفظ الذكر المحفوظ..
وكتبه ابراهيم ولد صالح
بتاريخ، ١٤٤٦/١/٨ هجرية
الموافق ٢٠٢٤/٧/١٥ ميلادية.