ابراهيم ولد صالح يكتب / نحو فهم صحيح للتاريخ الإسلامي:

خميس, 11/07/2024 - 18:52

نحو فهم صحيح للتاريخ الإسلامي:
صادف أني سمعت حديثا دائرا بين "صالحين" مخلصين للإسلام يتناول الهجرة النبوية بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة... ولاحظت مايلى:
- رغم إخلاص هؤلاء "الصالحيْن " و علمهم الغزير إلاّ أن قدرتهم على توظيف علمهم لفهم الموضوع كانت ضعيفة وكان تحليلهم سطحيا لا يتجاوز القشور !!!؟
- وللأسف أنّ معظم ، إن لم أقل كلّ، خريجى المحاظر عبارة عن حفظة كثير من المراجع والمتون، لا يستطيعون فهمها واستخدامها للفهم.
- ولقد كنت أضع فى الحسبان توصيات، أسمع عنها تارة، وكنت أعتقد أنها تتعلق بشرح القرآن فقط، رغم أنها تتعارض صراحة مع نص قرآني: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها...، إلا أنى وجدتها منسحبة على كل ما يُتَعلّم فى المحظرة.!!!!؟
وتأسيسا على الملاحظة السابقة كان تناول هؤلاء لموضوع الهجرة سطحيا تماما، رغم ما يحمل من رسائل ومعان....
فأردت أن أبدى هنا قراءة لموضوع الهجرة ، أعتقد أنها أكثر عمقا:
أولا: منطلق المهاجرين، وهي مكة، أرض العدنانيين، ذرية إسماعيل عليه السلام، وهم طائفة من العرب ، الأمة الحاضنة للإسلام، ومنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفيها بيت الله الحرام، إذن ضمان الإحاطة بهذه الطائفة فى المشروع القادم متحققة،
ثانيا: وُجهة المهاجرين: وهي يثرب موطن طائفة العرب الأخري ،القحطانيين، وموقع استراتيجي، يقع على طريق القوافل المتجهة من وإلى أطراف الجزيرة العربية ،التى تفرّقت فيها قبائل وعشائر هذه الأمة المشروع، حاضنة الدين الجديد.. وفيها، أي يثرب هذه، سيتحقق لمّ شمل أمة العرب، الأمة المصطفاة، الحاضنة، حاملة الرسالة، وسيتيسر عرض الدين الجديد،الإسلام، على عنصر دينى مهم فى المشروع القادم، وهم جماعة اليهود، بعد أن عُرض قبلهم على المسيحية فى عقر دارها، فى الحبشة على يد مبعوثى الرسول و فى مشهد عام يحضره الملك النصراني النجاشي، والقساوسة والكهّان وغيرهم...
يضاف إلى ماسبق أنّ هذه الأمة، قيد التشكل ستُعاد صياغتها على أساس لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلّا بالتقوى...
ثم تتهذب و تتعافى من أدران الجاهلية وتتهيأ لتكون : خير أمة أخرجت للناس.....، و تتحصّن ضد ما بقي من أدران الجاهلية ، ذلك أنها شاء الخالق سبحانه وتعالى أنها سيحكمها عنصر عربي صرف،بنو أمية، طيلة مائة سنة تقريبا، بعد عصر التحضير والتحصين وغرس مضامين الإسلام خلال عصري النبوّة والخلافة الراشدة، حتى لا تزيغ ولا تضلّ، ولو حكمها حكم طبعه الشطط أو الانحراف، ذلك أنّ البنيان اكتمل وأصبح متينا لا يخشى الانهيار مهما كانت طبيعة ساكنه...
ثم أسألكم هنا لو كان الحكم العباسي، المتميز بالإنفتاح على الآخر، غير العربي، تولى الحكم بعد الخلافة الراشدة، فما ذا عساها ستكون حالة هذه الأمة الحاضنة وهي لم تهضم و تتمثل بشكل كامل مفردات المشروع؟ وقبل أن أختم ، أرجو أن يعذرني أئمتنا وصالحونا وحماة ديننا، أهل المحاظر، أهل الله ، ذلك أنى انتظر منهم توظيفا جيدا لما يحملون من علم، وأنا على يقين أنهم ،قبلى، يدركون أن المشكلة لا تتعلق بالمعلومات، وإنما باستخدامها وتنزيلها على الواقع سبيلا للوصول إلى فهم صحيح...
نواكشوط،١٤٤٦/١/٣ ، الموافق ٢٠٢٤/٧/١٠