لقد وهب لنا الله هذه الأرض وظلنا بسماء من فوقنا وجعلنا شعوبا وقبائل شتى وأنعم علينا بنعمة الإسلام وكرمنا وفضلنا على كثير من عباده وبلدانه، فمتى معشر شباب بلادي نستخدم العقل الناصح ونستشعر الماضي البعيد السحيق وجبروت الإنسان وظلمه حين قبل الأمانة من بين كل المخلوقات وتحدى جسمه وبنيته الضعيفة، لم يكن هذا المنكب من الكون الذي حمل اسم دولة إسلامية عربية وعرقية لتكون وتسير لولا حكمة عقول أبناء الصحراء الصافية المتأملة في سريان الكون من حولها والتحولات التي مست كل البلدان والقارات، فيما القول والعمل بالدفع نحو الإستقرار وأمن الناس وسلامة بعضها من البعض، والتبادل التجاري والإنتشار العلمي الخاص القائم على فلسفة النقش في الحجر والخشب والمداد الحائك إلا دليلا على عبقرية رجال المجتمع وأصالة المبدأ. ودون السرد الممل والرجوع إلى الماضي بتفاصيله الدقيقة، قامت دولة الجمهورية الإسلامية الموريتاتية فكيف نحافظ عليها؟ ونضيف لبنة جديدة لصرحها العالي؟ وكيف نتكيف مع تنوع الأنظمة فيها ونفهم ما الذي تريده منا؟
لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تشهد دولة قيام نظام دون شبابها، فالبداية كانت مع الشباب، وعند قيام النظام الرئاسي عارض الشباب من خلال الحركات الأنه شعلة بها تنار الطرق ليسر فيها القادة والمفكرين فلايبقي التخلي عن الدور.
لقد أضافت كل الحركات الشبابية الثائرة على سلوك المجتمع وخنوعه للتفصيل الذي رسمه المجتمع وطبع تعاطيه مع الجمهورية في حقب خلت، فاطلق النداءات المتكررة وحمل الشعرات المطالبة بمسايرة وتطلع المجتمع للخروج من نهج الروتين القائم على تمجيد النظام والركوع للسلطة.
لقد تنوعت الانظمة التي حكمت الجمهورية، وبدأت بالحكم المدني الذي نشطت فيه الروح الشبابية فأسست وأممت وخططت وانجزت وعرفت بالبلاد شرقا وغربا، ومعها قامت الإدارة عملا وسلوكا واخلاقا وفيها تحددت المهام لكل السلطات وتمت فيها المحافظة على رمزية الدولة وهوية المؤسسة العسكرية.
فقام الحكم العسكري أو عسكرة الأنظمة، فغيب البريق الشبابي ولمعانه ورسخ فلسفة المولاة ولغة المخابرات ومفاهيم العصر الإداري السائدة من قبيل وزارة المنطقة وإدارة القبيلة ومؤسسة أهل فلان ووساطة الشيخ والعالم وحصة العرق ومحاصصة الأحزاب.
ويراد منا الشباب أن نخنع ونستكين ونبلع الدروس دون مراجعتها والتوقف عند ابسط الأمتحانات الكبرى لكل الأنظمة والحقب التي مرت بنا، فهي الأنظمة العسكرية الأخيرة لم تقدم شيئا للشباب، فساءت ظروفه وتبدلت أحواله، فالتحكم العسكري أوصل الشباب إلى العزوف عن رفض الواقع والتخلي عن التحصيل العلمي والتثقيف الأكاديمي، فهو يريد من الشباب قطاع طرق وتجار مخدرات أو منخرطين في الحركات المتشددة، فهو إذا أراد اشراك الشباب حصره في قاعة الدروس وألق عليه من الأقوال الخرافية، وقص عليه من القصص الجميل والمسلي وغالبيته مروعة وتكون المحاضرة عن سلببات الثورات العالمية.
رسالتي اليوم لكل شباب موريتانيا هي فرض الوجود في الموجود، وفرض خيارات الشباب التي لا يمكن أن تجد النور دون كسر الحواجز، التي لم تسلم منها أية مؤسسة مدنية أو عسكرية، لقد حان وقت أن نكون فاعلين ونعكس رؤيتنا الراقية الداعية إلي الإستقرار والأمن وبسط الطريق أمام ثورة التعليم لكل أبناء موريتانيا، كي يتسنى لهم تقاسم الرأي والتشاور والتداول على السلطة.
لقد تأخرنا معشر الشباب عن كل البلدان العربية والغربية التي تجاوز شبابها كل العراقيل وأصبح حاضرا في كل المجالات بعبقريته وتعلمه ومثابرته فوصل إلى قيادات الجيوش والحكومات واصبح فاعلا في الإدارات والأحزاب والحركات لا شكلا، إن المرحلة التي تعيش موريتانيا هي مرحلة شبابية لكن الكثير لا يتقبلها ولا يريدها واقعا وهنا ليست المعركة معركة أجيال وخبرة الكبار وإنما ينبغي إحكام المنطق وفهم الواقع ومسايرة الارقام التي تعكس شبابية الدولة.
إن حلول العام 2019 اظهر مما لايدع مجالا للشك بشبابية جموهريتنا، والذي استدعى من المخزن اعمال القانون والتحصين بالتمديد في الوظيفة العمومية والمؤسسة العسكرية للكثيرين واهمل ارقام البطالة وسد الباب امام دخول الشباب، كما تجاوزت كل الحوارات مطالبه الشرعية والملحة بتحين القوانين الإنتخابية مما يتيح له فرصة الولوج إلى المواقع الإنتخابية، فشهد تحديد السن الإنتخابية الرئاسية تحينا وأغلقت مراجعتها في مواقع أخرى كما أن التراتبية والتمديد في المؤسسة العسكرية حرم الكثير من القادة العسكريين الشباب من حقهم في التقدم.
اليوم ومرة أخرى يعيد التاريخ نفسه وامتحان آخر أمام مهندسي الانظمة ومخططي التوزنات العمرية في بلادنا موريتانيا، وفي نفس الظروف والسلوك إلم تكن ساءت أكثر بسبب التجاوزات الخطيرة خاصة في مجال التسير والحكامة الرشيدة، التي ستدفع الأجيال الشبابية ثمنها باهضا عندما يحين تسدد فاتورة الديون الخارجية، واخيرا لا نريد من الانظمة هروبا بنا إلى الأمام بل موطنا للجميع.
رسالة مفتوحة إلى الشباب "نريد وطنا"