في مثل هذا اليوم من عام 1955 حصل السودان على استقلاله بعد أن كان يخضع لحكم ثنائي بريطاني مصري، وهو يوافق مرور ثلاث سنوات على "الثورة" التي أطاحت بعمر البشير في السودان، لذا اختار السودانيون الأحد إطلاق مسيرات تطالب بتحقيق الديمقراطية والحكم المدني والتنديد باستئثار الجيش بالسلطة.
وإثر انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر لذي قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وما تبعه من قمع للاحتجاجات أوقع 45 قتيلا ومئات الجرحى، تريد المنظمات التي أشعلت الانتفاضة ضد البشير أن تعيد تعبئة 45 مليون سوداني يعيشون في ظل تضخم بلغ 300 بالمئة ولكن هذه المرة ضد العسكريين.
وتجدد المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في السودان.
في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، وبعد أن ضاعف البشير المعزول دوليا سعر الخبز ثلاث مرات، خرج السودانيون إلى الشوارع يطالبون بإسقاط النظام ما اضطر الجيش إلى عزله بعدها بأربعة أشهر.
"احتلال العسكريين"
ودعا أنصار الحكم المدني الذين يسعون إلى إنهاء ما يسمونه بـ"احتلال" العسكريين إلى مظاهرات جديدة الأحد ضد الجنرالات. وستجوب المظاهرات الشوارع تحت شعار "لا شراكة ولا تفاوض" مع العسكريين.
وقال أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة "الجريدة" المستقلة إن "الانقلاب وضع عراقيل أمام التحول الديموقراطي وجعل العسكريين يسيطرون بصورة كاملة على السياسة والاقتصاد".
ولا أحد يعرف حصة الجيش في الاقتصاد السوداني ولكنه يسيطر على شركات عديدة تعمل في مجالات متنوعة من تربية الدواجن إلى الانشاءات.
وأعاد الجيش رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك ولكن من دون أعضاء حكومته. كما تعهد بإجراء انتخابات حرة في تموز/يوليو 2023، إلا أنه لم يتم بعد تشكيل حكومة جديدة بدلا من تلك التي حلها البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي المقابل يجد أنصار الحكم المدني الديمقراطي، الذين يتهمون حمدوك ب"الخيانة" صعوبة في فرض أنفسهم على أرض الواقع. فقد كانوا منقسمين قبل الانقلاب ولايزالون حتى الآن غير قادرين على الاتفاق.
مع ذلك، يعتقد خالد عمر وزير رئاسة مجلس الوزراء السابق والقيادي في تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أن "الانقلاب نكسة" في طريق التحول الديمقراطي، لكنه "فرصة لتصحيح النواقص التي شابت الصيغة السابقة" للحكم الانتقالي.
خمسة ملايين قطعة سلاح
وفشلت الشراكة بين المدنيين والعسكريين، إذ كان يفترض أن يتولى المدنيون رئاسة مجلس السيادة لكن العسكريين استطاعوا أن يمددوا بالقوة وجود البرهان على رأس هذا المجلس عامين إضافيين.
وفي الوقت نفسه، لم يقدم أنصار الحكم المدني حتى الآن أي خطة عمل، وفق الدبلوماسيين الذين يلتقونهم بانتظام.
ويقر خالد عمر بذلك. وقال "إذا لم يرتفع الفاعلون السياسيون الرئيسيون بمستوى أدائهم ولم تقم المؤسسة العسكرية بالنأي بنفسها عن السياسة، فإن كل السيناريوهات واردة".
ويحذر مراقبون من أن السيناريو الأسوأ قد يحدث في السودان حيث أوقعت النزاعات الداخلية على مدى العقود الثلاثة الأخيرة مئات الآلاف من القتلى، خصوصا مع وجود خمسة ملايين قطعة سلام في أيدي المدنيين، وفق الأرقام الرسمية.
وبالفعل قتل خلال الشهرين الأخيرين قرابة 250 مدنيا في دارفور في صدامات بين رعاة إبل ومزارعين وهي نزاعات تتجدد كل عام في التوقيت نفسه وكان يفترض أن تتم تسويتها عبر اتفاق السلام الذي أبرمته الخرطوم مع حركات التمرد في الإقليم.
ولكن هنا كذلك أخفقت السلطات الانتقالية إذ كان يفترض أن تنتشر قوات محلية لمنع هذه الصدامات. إلا أنه لم يتم تشكيل هذه القوات أصلا "والأخطر الآن أن القبائل اصبحت تستعين بأفرادها في الحركات المسلحة والدعم السريع للقتال معها"، حسب أشرف عبد العزيز. والنتيجة، وفقا لعبد العزيز "انتشار السلاح بين أيدي المواطنين".
فرانس24