يتصاعد النقاش منذ أسابيع في موريتانيا بشأن سيطرة اللغة الفرنسية على المناهج التربوية في البلاد، تزامنا مع انعقاد لقاءات تشاورية تنظمها وزارة التعليم بهدف إصلاح التعليم في البلد العربي الواقع غرب إفريقيا والبالغ عدد سكانه نحو 4 ملايين نسمة.
ومنذ استقلال موريتانيا عن فرنسا عام 1960، لا تزال اللغة الفرنسية تسيطر على المناهج التربوية في البلد، من حيث ساعات الدراسة وعدد المواد التي تدرس بها.
ورغم أن قضية التعريب باتت محسومة من الناحية الدستورية باعتبار العربية اللغة الرسمية للبلاد، فإن الفرنسية ما زالت حاضرة بقوة في الوثائق والعمل الإداري اليومي بالمؤسسات الحكومية، إذ لا تزال أغلب المراسلات والتقارير الإدارية تحرر باللغة الفرنسية.
صدمة نتائج الثانوية العامة
لا تزال أصداء نتائج اختبارات الثانوية العامة لعام 2021 تصدح في موريتانيا، فقد شارك في الاختبارات 46 ألفا و587 طالبا نجح منهم 3 آلاف و742 طالبا، أي نسبة 8 بالمئة فقط، وفق إحصاءات رسمية، وهو عزاه خبراء إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية.
وعقب ظهور النتائج التي وصفت بـ "كارثية"، قال وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي محمد ماء العينين ولد أييه، إن نتائج اختبارات الثانوية العامة ستكون "محل تحليل معمق".
وأضاف الوزير، في تغريدة عبر "تويتر" في أغسطس/ آب الماضي، أن هذا التحليل يهدف إلى "إعادة هيكلة التعليم الثانوي، لتطوير طرق تدريس العلوم، ضمن إجراءات أخرى للتغلب على الأزمة".
ونظمت وزارة التعليم منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أياما تشاورية جمعت ممثلين عن نقابات التعليم الأساسي والثانوي وخبراء بهدف وضع خطة لإصلاح القطاع، تزامنا مع تجدد السجال بشأن هيمنة الفرنسية.
تعميق حجم الفوارق
وترى "الهيئة الموريتانية لتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية" أن التدريس بلغة أجنبية (في إشارة للفرنسية) يعمق من حجم الفوارق الاجتماعية ويجعل التعليم غير قادر على لعب دوره في الترقية الاجتماعية.
وقالت الهيئة (غير حكومية) في بيان يوم 17 أكتوبر الماضي، إن الأساتذة الذين يُدَرِّسون المواد العلمية بلغة أجنبية يجدون صعوبة كبيرة في إيصال المعلومات بتلك اللغة، كما أن التلاميذ غير قادرين على استيعاب تلك المواد عندما تقدم لهم بلغة أجنبية فيجدون صعوبة كبيرة في تعلمها.
وفي المقابل، شدد حزب "التحالف من أجل العدالة والديمقراطية/ حركة التجديد" (فرانكفوني) على تعلقه بالحفاظ على اللغة الفرنسية في التعليم والإدارة.
واعتبر الحزب في بيان يوم 27 أكتوبر الماضي، أن إبعاد الفرنسية عن التدريس والإدارة "تمييز ضد مواطنينا المدربين على هذه اللغة، وخصوصا أولئك الذين لغتهم الأم ليست العربية"، في إشارة إلى الأفارقة الزنوج.
مقاربة ذات أضلاع أربعة
وفي إطار السجال الحاصل بهذا الخصوص، رأى الرئيس السابق لحزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (إسلامي/ معارض) محمد جميل ولد منصور، أن موضوع اللغة في التعليم يحتاج إلى "مقاربة مركبة ذات أضلاع أربعة".
وأضاف في تدوينة على "فيسبوك" أن الأول من هذه الأضلاع هو "اللغة العربية، لغة رئيسية وغالبة في كل مستويات التعليم، وفي مختلف التخصصات"، معتبرا أن ذلك هو مقتضى الهوية، والضامن لجودة التعليم وجعله سببا في التقدم والتطور.
أما الضلع الثاني – وفقا لولد منصور – فهو دمج وتدريس اللغات الوطنية الأخرى "البولارية " و"الصنوكية" و"الولفية"، وقال إن الضلع الثالث هو "ازدواجية انتقالية تتحدد مستوياتها وحجمها ومداها بناء على اعتبارات فنية وعملية، بعيدا من الإيديولوجيا والسياسة".
أما الضلع الرابع، فهو "تدريس اللغات الحية وخصوصا الفرنسية (لاعتبارات موضوعية وجغرافية)، والانجليزية (لاعتبارات علمية وعالمية) وغيرها على نطاق واسع، ولكن في إطار تدريس اللغات لا لغات التدريس".
من جهته، رأى الرئيس السابق لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم سيدي محمد ولد محم، أن نقطة البدء في إصلاح الحياة الوطنية عموما، والتعليم بشكل أخص، تتمثل في النأي بعيدا عن تسييس التعليم.
ولفت ولد محم في تدوينة عبر حسابه في "فيسبوك" أن "الارتباط باللغة الفرنسية، في وقت بدأ الفرنسيون فيه بالتخلي عنها لصالح أكثر الخيارات براغماتية، مجازفة أكبر".
أسباب هيمنة الفرنسية
ويرى أستاذ اللغة العربية والأدب بجامعة العلوم الإسلامية في مدينة لعيون أبوبكر احميد، أن سبب سيطرة اللغة الفرنسية على مناهج التعليم في موريتانيا "يعود إلى تعلق النخب التي حكمت البلد باللغة الفرنسية، وسعيها الدائب إلى خدمة الثقافة الفرنكفونية من خلال فرض الفرنسية على الشعب العربي الذي يعشق بفطرته لسان العرب".
ويلفت احميد، في تصريح لوكالة الأناضول، إلى أنه رغم أن "الدستور الموريتاني صريح في أن اللغة الرسمية هي العربية، فإن السلطات المتعاقبة ظلت تتجاهل وجوب ترسيم العربية من خلال تعريب التعليم والإدارة، متمادية في فرنستهما على الرغم من الضرر العميق الذي لحق بالتعليم".
ويرى أن "تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية كان جريمة حقيقية في حق التلاميذ، إذ أن المحتوى المعرفي العلمي أصلا ذو طبيعة معقّدة، ولا يحتاج أبدًا إلى ما يزيد تعقيده كلغة التدريس مثلا".
ويعتبر احميد أن "تدهور مستويات الطلاب وتناقص نسب النجاح في الامتحانات الوطنية عائد، ضمن أسباب أخرى، إلى تدريس المواد العلمية بلغة أجنبية".وكالة الأناضول للأنباء بتصرف في العنوان