أجرى الحوار: الشيخ نوح
عبد المنعم هو شاعر مالي ولد في مكة وخطف الأضواء خلال مشاركته في النسخة الثامنة من برنامج أمير الشعراء والذي وصل إلى مرحلته النهائية ببطاقة من لجنة التحكيم دون الحاجة إلى التصويت، أجرينا معه هذا الحوار وحملنا إليه عدة أسئلة تمس مشروعه الشعري وعلاقته بمحل ميلاده مكة وبجذوره الأفريقية.
عبد المنعم حسن هو المتأهل بقرار لجنة التحكيم، هل كنت تنتظر مثل هذا المجد بصراحة؟
طبيعة الشعر معي شخصيًّا متقلبة، فأحياناً تملأ في نفسي الثقة بالتجربة، وأحيانًا كثيرة تسقي بذور القلق والشعور بانتمائي إلى أودية لا تعبر به نسائم المجد، غير أن إشادة المتذوقين -وهم كثر- بتجربتين تمنحني دائما فسحة لانتظار مثل هذا المجد الذي ذقته لحظة تأهلي بقرار لجنة التحكيم.
جئت من مالي بلد منسا موسى الذي اختارته إحدى المجلات المتخصصة في الاقتصاد كأثرى شخص عبر التاريخ على الإطلاق، رغم أوضاعه الحالية الصعبة، هل أضافت لك أفريقيا شيئا، وأنت المولود ومن ترعرعت في مكة؟
لا أستطيع أن أغض الطرف عن حنيني للجذور وغناء الأسلاف التي ولدتُ في أحضان حكاياتها ولغتها، ورضعت الشوق لها في لبن أمي وإن امتزج بزمزم ونشأ في مكة، ولو اتسع المجال لأسهبت في الحديث عن خصوصية الأفريقي الذي ولد وترعرع في مكة، وكيف أنه سيعيش عدة أمكنة وعدة لغات ومستعدا لاحتضان منشأ والديه في أي وقت، تختص مكة بمواسم الحج والعمرة التي تتيح لأهل بلدي الأم القدوم باستمرار والاحتكاك بنا، فتأتي معهم رائحة الوطن وأسراره وأغانيه وحكاياته وأشواقه، وتتعزز في وجدان مربينا قيم البلاد، وهم بدورهم لا يدعون فرصة تمر دون أن يكووا أرواحنا بتلك القيم. وبعد أن فطنت إلى سحر الكلمة والأدب، قادني فضولي الذي لم يزل يتنامى، إلى البحث عن المنتج الأدبي والفكري في أفريقيا؛ فعثرت بقدر جيد مما ترجم من آداب أقوامنا، وتعمقت صلتي بالمكان وتفاصيله، وقويت الوشائج بيني وبين الغابة والنهر والصحراء، وهاأنذا أقف في صميم المجد الأسمر وذراعاي مشرعتان لعناق الأساطير.
أسررت إلى بعض الخلص من أصدقائك أنك مندهش من تشجيع الموريتاني الكبير لك، هل سبق وأن تعرفت على الوسط الشعري في موريتانيا، وكيف تراه؟
في مسرح شاطئ الراحة كان معظم الجمهور الذي جاء لمساندتي من موريتانيا، وفي مواقع التواصل أيضا، هذا الجمهور الرائع الذي حملني على أن أزهو وأختال أكثر، وقد كنت أغبط شعراء موريتانيا الذين شاركوا من قبل في مسابقة أمير الشعراء على هذا القدر الكبير الذي ينالونه في موريتانيا من الاحتفاء والمتابعة، وتمنيت قبسًا يسيرا من هذه الجذوة، فإذا بي منذ إطلالتي الأولى في البرنامج وأنا أسبح في ضوء تشجيع أهلي الموريتانيين، جيراني الذين لا أستطيع أن أخفي حبي لهم وانتماء قصيدتي لصحرائهم ومحيطهم، وهنا أجد فرصة لإخبارك بأنني نشأت في طفولتي وسط محيط موريتاني، وإذن فالجوار بيننا ليس طارئًا وعسى أن يمتد إلى الأبد.
حين قررت المشاركة في برنامج أمير الشعراء، هل كان ذلك بدافع الفوز أم المحاولة أم المغامرة؟
قرار المشاركة في مسابقة أمير الشعراء ينطوي على مزيج من الدوافع، ففي البداية كان الدافع هو اختبار تجربتي أمام لجنة التحكيم، والتقاء شعراء وأصدقاء يتيح البرنامج لنا -من بين أمور كثيرة يتيحها- اللقاء بهم، وبعد أن تمت إجازتي بالإجماع ارتفع سقف الطموح وهكذ، ويقينا أنني الآن أطمح إلى الفوز باللقب، رغم أن أكبر دافع وأجمله والذي يتفق معي عليه معظم المشاركين في المسابقة هو أنه يختصر جهدا ووقتا طويلين للوصول إلى أكبر قدر من المتابعين ومتذوقي الشعر.
“امرأة راكعة تكنس رمل الذكرى” هذا التصوير الشعري ألهم كثيرين وكرروه، هل اجترحته في لحظة وعي أو لا وعي؟
وأنا في الطريق من منزلي في باماكو إلى المطار، صباحاً، كانت القصيدة تتداعي في خاطري، ولفتني منظر الفتيات اللاتي يكنسن باحات المنازل، في مشهد لا تخلو منه كل صباحات أفريقيا، فتسلل المنظر بشكل لاشعوري إلى القصيدة وصادف موقعا مناسبا من النص، وأظن أن حياتي في أفريقيا هي مرحلة مفصلية في تجربتي الشعرية والذوقية، بل في رؤيتي الوجودية ككل.
أخيرًا هل يمكنك أن تتصور إلى أي مدى سيصل بك الشعر؟
ليس للشعر حد، وإذا كنت لا أطمح كثيراً في خارج الشعر إلا أنني في أفقه لا أنفك عن الطموح والإبحار بالخيال في رغبات أبدية لانهائية، وأظن أن المدى في التجربة ينطوي باستمرار على مفاجآت ودهشات، تغذي الأمل أحيانا وأحيانا تنقص أطرافه، ودائما تظل خلاقة.
تقدمي