شاهد عيان كشف أن مسلحين قدموا في درجات نارية لحفل الزفاف وطلبوا فصل الرجال عن النساء قبل أن يتم قصفهم في غارة جوية
- الرأي العام المالي يطالب برحيل القوات الفرنسية من بلاده لعجزها عن حماية المدنيين وروسيا تنتظر ملأ الفراغ .
مقتل 100 مواطن مالي بينهم أطفال ونساء في غارة جوية يشتبه في أنها فرنسية من شأنه زيادة المشهد الأمني في منطقة الساحل الإفريقي تعقيدا، خاصة وأن البلاد سبق وأن شهدت مظاهرات عديدة منددة بالتواجد العسكري الفرنسي بمالي.
وبالتزامن مع إعلان الجيش الفرنسي تحييد طيرانه لعشرات المسلحين ليلة الأحد/الإثنين، بعد تعقبهم لعدة أيام، أعلنت مصادر محلية مقتل 100 مدني في عرس بقرية بونتي، وسط مالي، في غارة لطيران مجهول.
وسرعان ما توجهت أصابع الاتهام إلى الجيش الفرنسي بالوقوف وراء هذه المجزرة، لكن وسائل إعلام فرنسية، نقلت عن قيادة الأركان أن المسلحين الذين تم تحييدهم في غارة جوية كانوا بمنطقة "دوينتزا"، 90 كلم غرب بلدة هومبوري (وسط)، التي قتل فيها في 4 يناير/كانون الثاني الجاري، 3 جنود فرنسيين.
وتزعم قيادة الأركان الفرنسية، أن هذه المداهمة "تمت بعد التحقق من صحة المعلومات، ومراقبة وضع المشتبه بهم، مما أدى إلى انتهاء الوجود الفعلي لجماعة إرهابية مسلحة".
ويصعب التثبت من صحة كل رواية، لأن المنطقة نائية وتقع في قلب الصحراء الكبرى بعيدا عن أعين الإعلام.
غير أن صحيفة الغارديان البريطانية، نقلت عن شهود عيان أن الهجمات استهدفت فيما يبدو رجالا على دراجات نارية في قريتي بونتي وكيكارا، يعتقد أنهم متشددون، لكن المدنيين حُصِروا في الهجوم، حيث تجمع الناس لحضور حفل زفاف يوم الأحد.
وقال رجل أصيب في الغارة، لوكالة أسوشيتيد برس، إن المتطرفين اقتربوا من مجموعة من المدنيين كانوا يحتفلون بزفاف وطالبوا الرجال الحاضرين بالانفصال عن النساء".
ويضيف الرجل، الذي نقل إلى مركز صحي في دوينتزا، "كنا بصدد تنفيذ الأوامر عندما سمعت صوت طائرة.. وفوراً وقعت ضربة من أعلى. بعد ذلك، لم أر أي شيء لأنني كنت فاقدًا للوعي".
وأفاد قرويون آخرون في بونتي إن طائرة هليكوبتر وحيدة فتحت النار في وضح النهار، مما بث الذعر بين حشد متجمع لحضور حفل زفاف.
بينما أعلن رئيس بلدية "موبتي"، أداما غريابا، لإذاعة "ستوديو تاماني" المحلية، الثلاثاء، أن أكثر من 100 مدني قتلوا في غارة جوية استهدفت قرية بونتي.
** التوقيت الخطأ للهجوم
ويتضح من هذه الشهادات أن القوات الفرنسية نفذت غارة في التوقيت الخطأ والمكان الخطأ أيضا، ودفع المدنيون ثمنا غاليا لهذا الخطأ.
وليست هذه المرة الأولى التي يُقتل فيها مدنيون على يد القوات الفرنسية، ما تسبب في حالات غضب وغليان في صفوف الماليين، تجلت في المظاهرات المنددة بالتواجد العسكري الفرنسي ببلادهم، وانتقادات دبلوماسية للممارسات هؤلاء الجنود.
ففي 1 سبتمبر/أيلول الماضي، اعترف الجيش الفرنسي بقتل مدني وإصابة اثنين آخرين كانوا في حافلة تسير بسرعة.
ومنذ 2017، يرفع ماليون خلال المظاهرات شعارات من قبيل "فرنسا إرحلي"، وأصبحت هناك أصوات قوية على شبكات التواصل الاجتماعي تدعوا إلى إنهاء التواجد الفرنسي على أرضهم، بشكل أصبح هناك رأي عام معادي لكل ما هو فرنسي.
واستنكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكثر من مرة ما أسماها "التحركات المعادية للفرنسيين، التي يقوم بها أحيانا مسؤولون سياسيون في دول الساحل".
وطالب ماكرون دول الساحل بتقديم "توضيح" بعد اتهامات لفرنسا بالتدخل في منطقتهم لأهداف استعمارية جديدة.
فباريس لا تتراجع في الميدان أمام الجماعات المسلحة فقط، بل تخسر أيضا معركة الرأي العام في المنطقة، بسبب إخفاقها في إنهاء العنف بالبلاد وتكرار قتل مدنيين بـ"الخطأ"، لكن هذه المرأة كانت الحصيلة أكبر من أن تغتفر.
ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019، نظمت رابطة جمعيات "فاسو ـ كورو" مظاهرة مطالبة برحيل القوات الأجنبية من البلاد، وقال أحد المنظمين، "ما فائدتها (القوات الفرنسية والأممية)؟ إنها هنا، لديها معسكرات، ولكنها غير قادرة على حمايتنا. وجنودنا هم الذين يسقطون في الجبهة".
** مقتل مزيد من الجنود الفرنسيين
وتواجه قوات برخان الفرنسية في مالي مزيدا من الخسائر البشرية والمادية في مواجهة الجماعات المتطرفة.
ففي الأسبوع الأول من مطلع العام الجاري، قتل 5 جنود بينهم امرأة، في هجومين بعبوات ناسفة، تبنتهما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الموالية لتنظيم القاعدة.
وارتفعت السبت حصيلة الجنود الفرنسيّين الذين قُتلوا في منطقة الساحل منذ 2013 في الساحل إلى 50 جندياً، بحسب قيادة الأركان الفرنسية.
وهذه الخسائر دفعت الرأي العام الفرنسي ذاته إلى المطالبة بسحب جنود بلادهم من الساحل، خصوصا وأن القتال في المنطقة تحول إلى حرب استنزاف مفتوحة في أوساط معادية.
وأمام الضغوط الشعبية سواء في فرنسا أو في مالي، قررت باريس تقليص عدد قواتها في منطقة الساحل، بالتزامن مع قرار أمريكي آخر بتخفيض عدد جنودها في إفريقيا.
لكن ضغط الرأي العام الفرنسي لسحب الجنود من الساحل سيكون أكثر تأثيرا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2021، حيث سيفتح سوق تنازلات السياسيين للناخبين.
لكن أي انسحاب كامل للقوات الفرنسية من مالي سيعني اعترافا بالهزيمة، وليس ذلك فقط، فروسيا جاهزة لملء الفراغ، بدليل أن عدة مظاهرات أصبحت ترفع شعارات مؤيدة لموسكو، مقابل حرق الأعلام الفرنسية.
وإذا ثبُت أن فرنسا قتلت أكثر من 100 مدني في مالي ولو بالخطأ، فإنها تكون بذلك قد وضعت مستقبل تواجدها بالمنطقة على المحك.
وكالة الأناضول