مقال سابق بتصرف بعد عشر سنين عجافا من الحلم الذي أغرقت فيه البلاد ووعد به العباد وانطلقت به الحناجر صادحة واعدة بالتغيير وحقوق الفقراء وإصلاح التعليم ورفاهية الصحة ومحاربة الفساد والتخلص من المفسدين وشيوع التنمية وتعميم التشغيل، يتكشف الحال عن فشل ذريع وتفريط بين في مصالح الأمة ولعب بمقدراتها لم يسبق له مثيل. * تبين أننا في السنوات العجاف التي هدم فيها نظام الفرد ما تم بناؤه خلال فترة القوس الديمقراطي من مفاهيم الدولة الخادمة للمجتمع ، حيث تم تجريف الادارة ومفاهيمها وانطلقت يد الفرد بلا تخطيط أو تعقل فحولت السلطة والثروة الى وسيلة ابتزاز وتصفية حسابات وثراء ذاتي وإثراء لحفنة من النكرات لا تعرفهم سجلات الضرائب ولا حسابات البنوك وتجهلهم ساحات الاعمال. * تقوم على دعاية الزيارات تلك عصابة تعتصر المال من المواطن المغلوب ومن المسؤول المترف والتاجر المحتكر تنصبُّ اهتمامات تلك الشرذمة من المخلوقات المتوحشة في مصالحها على خلق فرص تقيم بها سوقا للتزلف يساق إليه من يحكم في مواسم تحددها هي والمهم ألا يتباعد ما بين شنقيط والنعمة من مواسم الأخذ. * وفي تلك الاثناء يغدو من في الحكم والمسؤولية رهينة لمن يصنع به مظاهر البطر ويختلق به أبهة المقربين ريث ما يسد أولئك جوعتهم من المتعة بإرهاق الشعب وتبديد الثروة، * وجع الرؤى * وبعيدا عن كل الدعاية المصطنعة تتراءى في مخيلتي أسمال خيمة بالية مخرقة تجمعت تحتها هياكل عظمية لأسرة معدمة تمثل القاعدة الأعم من ساكنة لأعماق المحرومة ؛ * عند اقترابك من خبائها يبدو لك شيخ طاعن في السن قد احدودب منه الظهر ورق العظم وانحسر نظره وتقعرت حفر نعاله تخط أقدامه الأرض من الهزال يحمل آنية وَضوء عائدا من هيمان خلاء في عشية مكررة من عقود يجلس أمام الخيمة لينظر إلى أشباح عيال تكومت عظامه النخرة من الفاقة والهزال يسر الله لأمه الانشغال بالطاعة عن التفكير في حقها وعيالها في حياة كريمة فينظر أشأم منها فتقر عينه على بنيته آخر العنقود التي سرق الفقر منها نضارة الحسن الذي حازت أصله لكن الفاقة أبرزت منها الخدين وحفرت منها العينين وجعلت مابينهما غائرا فيبس جلدها على قصبتي الأنف فأضحى بعد جمال محنطا وكأن ابن بدّي يعنيها بقوله * وحولها طفلة تبدو مفاصلها * من تحت جلد براه البأس والسقم * كان ما حنطت في مصر في من زمن * من عهد فرعون لكن ما لها هرم * فتسأل عن أولاد الشيخ فيخبرك بدخولهم غياهب إفريقيا لا يملكون رأس مال ليتجروا به او مهنة يعملون بها فآثروا التخفيف على أهليهم بالبقاء ثقلا على أهل المروءات من أقاربهم وحين عسعس الليل قربت اليه البنية آنية من الشجر مثلومة الحواشي في قعرها ملأ اليدين لا مبسوطتين من مفتول معتق بأدخنة ما تيسر مما يوقد النار مبلل بماء وكمية زائدة من الملح أشاعت في الأسرة ارتفاع الضغط وتصلب الشرايين يرسل الشيخ إلى صاحب الدكان يطلب دين علبة حليب مما يعافه الغرب فيصدره إلينا فنحسبه سائغا للشاربين فيرد صاحب الدكان بأنه لم يعد يستطيع زيادة الدين الذي قاربت شهوره السنة وما دفع له منه شيء يتوكل الشيخ على الله ويأمر العيال بتناول الموجود فيدخل أنامله بين حبيبات متطايرة لارابط بينها من أُدمة أو حسن صنعة يبتدرها الجياع يستسيغون ما يصاحبها من حصى عاتيات الزوابع ، * السؤال الكبير هو مالذي سيستفيد ذلك العالم من زيارة البطر تلك في عام الرمادة ومالذي سيتغير من أحوال تلك المظاهر المؤلمة ما حظ المعلم والتاجر والناقل والإداري والمحروم؟ * ما حظ المواشي من تلك الزيارة القارونية التي تنحر فيها قطعان الإبل وتذبح فيها الأبقار وتشوى فيها الأغنام لا يستفيد منها الفقراء والساكنة الحقيقيون بل ليتخم بها من كان شبعانا ويحرم منها من كان محتاجا * من سيلتقي الرئيس في تلك الزيارة هل هي الفئات التي ذكرت آنفا أم أشتات من كافة ربوع الوطن جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم من التقرب يصنعون صورة من الزيف والبهرج والفخامة الموهومة فيتم تثبيت صورة مزيفة أمام الرئيس حيث حل تحله جوقة الترف والتزلف تبعد عنه الضعاف والمساكين وتقرب اليه الأغنياء والمسؤولين من سكان العاصمة وأقوياء الولايات المختلفة .. * محمد غلام الحاج الشيخ