في مثل هذا اليوم
من عام 28/9/1970
سلم الهرم الرابع
جمال عبد الناصر
روحه الطاهرة
إلى باريها ....
ونحن على أعتاب
يوم الرحيل الأسود
لن ننعي عبد الناصر ..
” لأنه يعيش معنا روحاً خالدة وإرادة قوية وعزيمة صلبة،
علينا أن نجسده جهاداً وصبراً وإخلاصاً، وعهداً ووعداً لا نخلفه ومبادئ
لا نحيد عنها ولا ننحرف معمر القذافي" ...
...............................
للتذكيركي لانسى
#لم يكن هذا رثاء لجمال عبد الناصر في يوم رحيله، ولكنه كان عهداً بالكفاح
من أجل تحقيق المبادئ التي كافح من أجلها جمال عبد الناصر، تلك المبادئ التي قامت من أجلها ثورة الثالث والعشرين من يوليو في مصر، فأضاءت تاريخ مصر الوطني بما حققته من تحرير لتراب مصر وإرادة شعبها، وأعادت مصر إلى دورها الطليعي والطبيعي بين أمتها العربية بما أججته في الشارعين المصري والعربي من مشاعر قومية كانت الحاسم والفيصل
في تحديد نتائج الكثير
من المعارك التاريخية التي خاضتها الأمة العربية العظيمة ضد أعدائها التاريخيين، وجسدت دعماً حقيقياً وعامل توهج لحركة التحرر العربية، التي حققت انتصارات تاريخية لحساب الأمة وتاريخها، وأبرزت قضايا الأمة العربية على الصعيد الدولي ونقلتها إلى دائرة الضوء والفعل في العالم، وتجاوزت حدود الوطن العربي لتكون عنواناً لنهضة إفريقية رافق فيها عبد الناصر الآباء المؤسسين للوحدة الإفريقية وكان عبد الناصر أحد الأضلاع الأربع الرئيسية فيها، مع موديبوكيتا ونيريري وسيكوتوري، لينطلق محلقاً في فضاء العالم المظلوم ليكون عنوان مرحلة كفاح عالمية ضد الإستعمار والهيمنة والتخلف وكان عبد الناصر أحد أربعة أضلاع أسست حركة عدم الانحياز مع رفاقه جواهر لال نهرو وجوزيف بروس تيتو وأحمد سوكارنو، كما عبر صدى كفاحه وثباته ونجاحه المحيطات ليحفز اليسار العالمي على تحرير العديد من أقطار أمريكا اللاتينية، ولم يقفز خلال مسيرته على عقيدته التي أفرغ فيها جهداً استراتيجياً لدعم الشعوب الإسلامية أثمر نجاحات لا تغيب عن سجله العظيم.
مسيرة كفاح تاريخية طويلة، تقاس معاركها دهوراً رغم عمرها الذي لم يتجاوز ثمانية عشر عاماً، لأنها حُسبت بالثواني لا الدقائق والساعات والأيام، أرّخت تلك المسيرة لميلاد مواجهة شاملة بين الجماهير وأعدائها،
في الوطن العربي،
وفي إفريقيا، وفي العالم، ورسّخت لقيم جديدة عن الحرية والإشتراكية، فالحرية لم تعد أرضاً ولكنها أرض وإرادة، والإشتراكية لم تعد شعاراً ولكنها أصبحت عدالة إجتماعية وحق الجميع
في الحياة الكريمة، وتوزيع عادل للثروة القومية بلا تمييز ولا ابتزاز، وأسست تلك المسيرة الإنسانية للحياد الإيجابي الذي كان قاطعاً كحد السيف، فأنتج علاقات دولية متكافئة، وعادلة بنت نظاما دوليا جديدا توقف فيه الإرهاب الدولى، وقضي على عصور الإستعمار العسكري والسياسي والإقتصادي، وتم تسخير الأمم المتحدة ومؤسساتها وآليتها المختلفة والمتعددة .. لتصحقيق مصالح الشعوب بصراحة ووضوح.
لقد أشعل عبد الناصر النيران تحت أقدام الإستعمار العالمي في كل مكان في العالم، وفتح باباً واسعاً عبر منطق الحق والكفاح المسلح لتحرير الكثير من شعوب العالم، ولا يمكن لنا في مثل هذه الوقفة أن نعدد إنجازات ثورة الثالث والعشرين من يوليو وإنجازات قائدها جمال عبد الناصر، خاصة تلك السمات الإنسانية التي صبغت مسيرته الكفاحية وعشقه للحرية ودفاعه عن الحق ودعمه لقوى الحق والخير والحرية في العالم، ولكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن أروع سماته وأشدها بريقاً تتجلى
في إيمانه المطلق بقضيتي الحرية والوحدة العربية.
إننا في ذكرى رحيل هذا المجد العظيم عن أمتنا العربية ندرك من واقع إيماننا العميق أن عبد الناصر باقٍ بيننا روحاً خالدة، بما ترك فينا من ميراث عظيم من القيم والمبادئ لا تستطيع أية قوة مهما تجبرت أن تنزعه من قلوب الجماهير العربية التي دافع عنها وأعطاها عمره القصير، ولكن من حق هذا الجيل الذي لم ير عبد الناصر، ولم يعش انتصاراته وأمته العظيمة، ورأى رأي العين مصاصي الدماء يعبثون بتركته الإنسانية، ورأى عملاء الإستعمار العالمي يبدّدون إنجازاته السياسية، ويمتصون مكاسبها، ورأى المترفين المترهلين يستردون عرق الجماهير الكادحة إلى خزائنهم، هذا الجيل الذي عاش وعايش الهزيمة المريرة في فلسطين والعراق ومأساة الشعب الصومالي الذي تكالبت عليه غربان إفريقيا وضفادعها، والخراب المدمر الذي هبط كاسرا على أقطارنا في ما سمّي بالربيع العربي، في مصر وليبيا وسورية والعراق، وأصبح مهددا للوجود العربي ذاته، حيث تعيش جماهيرنا العربية أسوأ مراحلها التاريخية، تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت أقدام قوى الإستعمار العالمي، وعملائها من أعداء الإسلام والدين، مرتدين ثوب الصلاح والإصلاح، وهم جزء من عمل الشيطان، وأداة له، نقول أنه من حق هذا الجيل أن يسأل ماذا جرى بعد عبد الناصر..؟!!!
هل خانته الجماهير الكادحة التي خرج تحت جنح الظلام واضعاً رأسه على كفه من أجل تحريرها من مظالم كل قصر ملكي وكل مستعمر ظالم..؟! هل خانه الفلاحون الذين استرد لهم الأرض من الإقطاعيين وأرسى دعائم نهضة زراعية تعاونية أسهمت في إعادة الكرامة للفلاح…؟!! أم خانه العمال الذين حررهم من نير رأس المال ومظالم صاحب رأس المال..؟! وأشركهم في الإدارة ووزع عليهم الأرباح ورفعوا رأسهم عالياً ومعهم الفلاحين وهم يستردون حقوقهم السياسية بخمسين في المائة على الأقل "50%" في المجالس النيابية وخصماً من حصص “الباشوات والبهوات” وأولاد الذوات..!! هل خانه الكادحون الذين قال لهم “إرفع رأسك يا أخي” فرفعوها حتى أصبحت قضاياها وقضايا الوطن أسفل خط الرؤية لديها،
أم خانه الذين تربى في أحضانهم ودخل بهم فلسطين وخرج منها معافى فوق المؤامرة، وأدرك من فلسطين أن بوابة مصر والوطن العربي فلسطين.
وإذا خرجنا من هذه الدائرة الضيقة هل يحق لنا أن نسأل ونتساءل في ذكرى رحيل البطل، أين الإنحراف الذي حدث في المسيرة..؟
إن عبد الناصر ليس فرداً عاش وغادر، ولكنه تاريخ طويل من الكفاح الشعبي العربي، والإفريقي، والعالمي، من أجل حرية الأرض والإرادة، ويحق للعالم بأسره في ذكراه أن يتساءل..؟
هل كانت صدفة أن ودعنا الراحل الكريم في ذكرى الإنفصال الأليم..؟!!
ذاك اليوم الأسود في تاريخ الأمة الذي يغوص بعيداً ويتعمق في ذاكرة الأمة والتاريخ برحيل القائد العظيم..
أم أن تلك الذكريات تتداعى علينا لتذكرنا أننا شعوبا وجماهير من فرطنا في الثوابت والمكاسب ولم نتصدّ لأعداء الحرية .. اعداء الأمة والوطن .. أعداء الغنسانية .. ومن ثم فإننا لا نستحق كل تلك الإنجازات والمكاسب ..
ويظل السؤال مطروحاً.. لجماهير الأمة التي عشقته وعانقته وتمسكت به قائدا ومقاومة ومشروعاً قوميا وحضارياً .. للجماهير وليس للسلاطين … للصادقين وليس لأصحاب الكراسي المخادعين .. لأصحاب المصلحة الحقيقية وليس للمتسلقين المنفعيين .. لجماهير الأمة العربية فحسب ..
ألم يكن عبد الناصر بشخصه، وحُلمه، ومشروعه، وثوابته، ومواقفه، وقيمه، ونجاحاته، وإنجازاته، ومكاسبنا، وثرواتنا، وحريتنا، وإرادتنا، وتحالفاته وتحالفاتنا، ومستقبل الأجيال والأرض والإرادة .. الم يكن كل هذا أمانة ،، ؟؟!! في أعناق من عاش المرحلة ومن ورث هذا الميراث الهائل من العزة والكرامة .. والمجد والخلود ..
فهل أزف وقت الرثاء ..؟!
أم سيظل عبد الناصر “المشروع” أمانة تستطيع جماهير الأمة العربية العظيمة استردادها ..!!
عن حركة اللجان الثورية العالمية ساحة موريتاتيا الشريف مهدي الإدريسي.28/9/2020