
موريتانيا تنتصر دبلوماسيًا...
نجحت موريتانيا في خوض معركة دبلوماسية راقية بتقديمها للدكتور سيدي ولد التاه مرشحًا لمنصب رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية. كانت المنافسة شرسة، كما هو متوقع في مثل هذه الاستحقاقات القارية، لكن الحكومة الموريتانية تعاملت مع التحدي بحكمة وجدية، حيث عين فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، معالي الوزير الأول منسقًا للحملة، وسُخرت الطاقات والجهود الدبلوماسية من مختلف القطاعات، بمشاركة فاعلة من وزراء الخارجية والمالية وغيرهم، لتقديم الدعم اللازم لهذا الترشح الوطني.
وجاءت النتيجة مشرّفة ومبهرة: فوزٌ كاسح بنسبة 76٪، وهوما يعكس حجم الاحترام والمصداقية التي باتت تتمتع بها موريتانيا في محيطها الإقليمي و القاري، ويؤكد مكانتها كدولة فاعلة ومسؤولة في إفريقيا.
لكن، وبعيدًا عن نشوة الفوز، ظهرت بعض الأصوات الإعلامية والمدوّنة التي اختارت، للأسف، توجيه سهام النقد والتجريح إلى بعض الدول العربية التي لم تدعم المرشح الموريتاني، ووصفت ذلك بـ"خيانة الأشقاء". وهنا لا بد من التوقف لتوضيح جملة من الحقائق والمبادئ التي يجب أن تؤطر تعاملنا مع مثل هذه الأحداث.
أولًا، موريتانيا دولة عربية إفريقية، وجذورها ضاربة في ضفتي الهوية العربية والإفريقية على حد سواء. وهي تنتمي بصدق إلى فضاءين متكاملين، لا متضادين.
ثانيًا، لا توجد بين أشقائنا العرب أو الأفارقة دولٌ تنتمي إلى مجموعة العشرين أو تصنّف ضمن القوى العظمى في العالم. وبالتالي فإن المصالح، في مثل هذه المعارك الانتخابية، لا تُبنى على الإثنية ولا اللون ولا على العاطفة، بل على حسابات السياسة والتحالفات والمصالح الاستراتيجية.
ثالثًا، التصويت في هذه الانتخابات لا يعدُّ حربًا تستوجب الاصطفاف أو العتاب، بل هو استحقاق دبلوماسي، تتنافس فيه الدول وفق رؤاها ومصالحها، وهو حق مشروع للجميع.
رابعًا، علينا أن نحفظ الجميل ونقدّر مواقف الدول التي وقفت معنا ودعمتنا، بغضّ النظر عن خلفياتها الثقافية أو موقعها الجغرافي، وألا نبخس حقها أو نظهر لامبالاة تجاه دعمها لنا.
أما الدول التي اختارت عدم التصويت لنا هذه المرة، فلنا معها تاريخ طويل من التعاون والدعم المتبادل، ولا ينبغي أن نختزل علاقاتنا بها في تصويت واحد، مهما كانت رمزيته.
إن ما ينبغي أن نركّز عليه اليوم، هو توجيه الشكر والتقدير لفخامة رئيس الجمهورية، الذي أدار هذه المعركة بحكمة وهدوء، ولقّن الجميع درسًا في الدبلوماسية الرصينة. كما لا يفوتنا أن نشيد بالجهد الاستثنائي الذي بذله معالي الوزير الأول السيد المختار ولد أجاي، وفريقه الحكومي، الذين رفعوا راية الوطن عاليًا، وأدخلوا الفرح والفخر إلى كل بيت موريتاني.
من الجدير بالذكر كذلك أن ترشيح، د. سيدي ولد التاه كان له الدور الكبير في تحقيق الفوز بالمنصب، حيث يعتبر د. سيدي التاه خبيرا اقتصاديا ذا كفاءة عالية، ويتمتع بتجربة واسعة في تسيير المؤسسات المصرفية الدولية، وهو ما كان من أبرز العوامل التي اقنعت العديد من الدول بالتصويت لصالحه، تقديرا لمؤهلاته وخبراته.
لقد أثبت هذا النجاح أن موريتانيا قادرة، على أن تتقدم وتؤثر وتفوز بثقة القارة، بفضل وحدة الصف، ووضوح الرؤية، وكفاءة أبنائها.
فلنجعل من هذا الانتصار لحظة شكر وفخر، لا مناسبة للتجريح والعتاب.
محمد الأمين سداتي
نواكشوط بتاريخ: 30/05/2025