الإذاعة .. الجرأة حتمية من أجل الإقلاع

خميس, 07/11/2019 - 11:30

مهمة المدير العام لإذاعة موريتانيا الجديد الأسبق ليست سهلة على الإطلاق ، فإدارة المؤسسة الإعلامية العمومية الأقدم و الأكثر انتشارا في موريتانيا بروح و وسائل تساير مفرزات الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ، و تمكن من صنع مادة إذاعية راقية تواكب برنامج تعهداتي و تلامس سقف تطلعات الموريتانيين اليوم و تصل إلى أغلب الجمهور مسألة تتطلب التشمير عن سواعد الجد ، خصوصا في ظل منافسة القنوات و الإذاعات الحرة و حرية فضاء الأنترنت الفسيح و فيسبوك القوي و تطبيقات التراسل الفوري السريعة والفعالة .

لا خفاء :

لا يجوز اليوم في دِين المتلقي أن تَحجب الإذاعة العمومية (ميكروفونها) عن أي حدث مهما كانت حساسيته و إحراجه المفترض للسلطة أو التلبيس عليه أو صقله بوسائل المونتاج أو تأجيل تناوله حتى ينجلي العجاج .. أحرى أن تصمت إلا عن استقبَل و غادر وأشرَف و غيرها من المفردات الخشبية المعتِمة .

لا خفاء مع الهواتف الذكية المشبعة بالأنترنت ، و المدير العام يعلم بالتأكيد أن الجرأة تجلب الجمهور و يدرك أيضا أن الممنوع مرغوب و المنافسة شرشة و
المتلقي متعطش لسماع الواقع كما هو على ألسنة المواطنين الفقراء المعدِمين و أصحاب المظالم و أهل الشأن مهما كان صادما أو غريبا في إذاعته العمومية ، و مع محترفي السياسة على تنوعهم .. ، متعطش لنقاش كل ذالك مع الجميع بحرفية صحفي و ذكاء مذيع غير منحاز .

لكن و إن وجِدت الإرادة الحقيقية و الإندفاع المطلوب و الغطاء السياسي الضروري و التوثب المهني لتناول واقع البلد دون مساحيق ، فإن مثبطا قويا جدا قد يقف في وجه الإذاعة بالذات دون توصيل مادتها إلى أغلب الجمهور ! .

ضعف البث الإذاعي :

بث الإذاعة ضعيف ، فكم من مواطن في الأرياف و القرى لا يجد حقه في الإخبار و التثقيف و التسلية بسبب ضعف البث الإذاعي ، و كم من شريك تراجع عن التعاون مع الإذاعة بعد أن علم أن البث لا يصل إلى جمهوره المستهدف بشكل جيد و كم من شراكة مهمة و دخل كبير ضاعا على الإذاعة بسبب ضعف البث .

دون بث إذاعي قوي يصل إلى أبعد مدى – و هي مسؤولية مؤسسة أخرى TDM منذ تحرير الفضاء السمعي البصري – سيبقى المجهود الإذاعي ناقصا بشكل كبير حتى و لو كانت مضامين المادة الإذاعية نوعية و المؤسسة بيد كفاءة ذات تجربة كبيرة .

غصة في حلق الإذاعة :

مثبط آخر لا يقل خطرا يقف في حلق الإذاعة و هو ضعف رواتب الموظفين و المتعاونين على حد السواء ، و هذا عامل كبح غير مُعِين على بذل الجهد يطفئ جذوة الحماس في نفوس العمال الذين هم المحرك الرئيسي و القلب النابض للمؤسسة ، فبعض المتعاونين يتقاضى 31 ألف أوقية ، و كبار مسؤولي الموظفين في المؤسسة رواتبهم ضعيفة جدا لحد الصدمة .

و يرى متابعون بأن مراجعة رواتب الموظفين و تصحيح وضعية المتعاونين سيكون بالتأكيد رصيدا هائلا في حساب من يسبق إليه من المسؤولين الذين تولوا و يتولون شأن إذاعة موريتانيا (1957-2020) .

سلطة تقديرية و ضغوط خارجية محرجة :

مشكلة أخرى كثيرا ما تواجه الرجل الأول في المؤسسة أيا يكن و هي قضية اختيار الأشخاص في شغل المسؤوليات الكبرى في الإذاعة ، و تلك بالتأكيد مسألة تتطلب قدرا كبيرا من الإنتباه ، و هي في الواقع قضية تخضع لسلطة تقديرية لدى المدير العام شخصيا و يتوقف الحسم فيها على عوامل عديدة منها القناعة الشخصية و الضغوط الخارجية و عوامل أخرى يصعب التعبير عنها .

لكن هذه الجزئية بالذات قد تكون في كثير من الأحيان عامل نجاح إذا ما وظفت بحصافة و هي محور اهتمام كثيرين في أي مؤسسة و قد تتحول إلى عامل هدم أيضا .

تعفن وظيفي :

يعتبر متابعون أن إذاعة موريتانيا تحتاج إلى تجديد شامل و تغيير جذري بعد سنوات من الكمون يزيل عنها مايسميه البعض ب (حالة التعفن الوظيفي) ، فبعض المسؤولين في مناصبهم منذ 10 سنين و البعض في أماكن معينة من الداخل منذ 8 سنوات و البعض مسندة إليه مهمة الأسفار الخارجية منذ 12 سنة ، في حين يتطلع آخرون لا تنقصهم الكفاءة لإشراكهم في شأن مؤسستهم .

مهمة المدير العام لإذاعة موريتانيا ليست سهلة بالتأكيد ، لكن الجرأة في اتخاذ القرارات المشفعة بالغطاء السياسي الكافي قد تنتشل الإذاعة من مايصفه البعض ب ( الهوة السحيقة ) .

 

محمد المختار ولد تديه / شبكة الربيع