لا أحد يجادل في أن التعليم يشكل الركيزة الأساسية لأي أمة تتلمس طريقها للنهوض من أمراضها الاجتماعية وتحدياتها الاقتصادية، فالعلم نور والجهالة حلك كما يقال.
لكن هل أصبح تحصيل العلم في ظل جائحة كورونا في المنطقة العربية أشبه بالمستحيل الذي يطلب فلا يدرك؛ نتيجة لضعف البنية التحتية التكنولوجية، وبطء الإنترنت، وارتفاع تكلفته، وعدم توفر الاجهزة الإلكترونية للطلاب، وانقطاع التيار الكهربائي في بعض البلدان، هذا فضلا عن حاجة المدرسين إلى التأهيل للتكيف مع الظرف الجديد؟
لقد كشفت الجائحة عورة التعليم في العالم العربي، ووضعته أمام خيار وحيد وهو التعليم عن بعد، وهو أمر لم تخطط له الوزارات المعنية ولم تضعه في سياساتها التربوية المتوسطة أو البعيدة، فتراوحت الاستجابة لهذا التحدي الجديد بين دول غابت فيها محاولة التعليم عن بعد مطلقا، وتركت الطلاب يواجهون مصيرهم المجهول، وبين أخرى حاولت قدر استطاعتها مستعملة التلفاز ومنظومة الجهاز اللوحي (التابلت)، والتعليم المدمج، لكن ذلك كله لم يأت بالنتائج المرجوة، بل زاد من حيرة أولياء الأمور.
فحسب تقديرات منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة هناك ما يزيد على 40 % من طلاب المدارس في المنطقة العربية لا تتوفر لديهم وسائل التعلم عن بعد، وهو ما حرم أكثر من 40 مليون طالب من حق التعلم خلال السنة المنصرمة.
وهنا يحق لكل متابع أن يتساءل هل استوعبت وزارات التربية الدرس وخططت لإمكانية حدوث موجة ثالثة من الجائحة، خصوصا أن شبح الوباء لم يختف، والتطعيم لم يكتمل بعد، والمعطيات تشير إلى استمراره لوقت غير معلوم.
فمن الذي سيتحمل المسؤولية أيضا في ضياع جيل كامل، وذلك بفقده ملايين الساعات من التعلم، وهو أمر كان بالإمكان تلافيه بزيادة ميزانية التعليم لتكون قريبة من ميزانية الأمن في بلداننا.
لذا ينبغي في ظل نقص الموازنة الحالي العمل على الأقل على تأمين منصات إلكترونية مجانية للتعليم العام والخاص، لأنها توفر تكوينا جديدا للمدرسين، وتساعدهم على تسجيل حصصهم، مما سيمكن الطلاب في الظروف الطارئة من الرجوع إليها متى ما أرادوا ذلك في حال تعذر الحضور إلى المدرسة.
ويمكن الحصول على هذه المنصات بالتواصل مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو ) في إطار برنامجها "التعليم للجميع".
وخلاصة القول أن إدماج التعليم عن بعد في منظومتنا التربوية لم يعد خيارا، بل أصبح ضرورة لاستمرار العملية التعليمية بنجاح، وللشهادة على العصر، ومواكبة اقتصاديات المعرفة وتجليات العولمة المختلفة في زماننا.
فمتى سندرك أن الاستثمار في الانسان هو مفتاح النهضة المنشودة وركيزة الأمن والاستقرار؟
الدكتور عبدالله ولد حمدي / رئيس مركز الضياء الكندي للدراسات العربية - كندا